المرحلة الأولى من تنفيذ اتفاق التبادل والمغادرة بين حزب الله وجبهة النصرة، برعاية اللواء عباس ابرهيم، تمّت، وبقيت المرحلة الأصعب المتمثلة بمغادرة المسلحين والنازحين الذين تدفقوا على مراكز تسجيل الأسماء، متجاوزين مخاطر الطريق الى ادلب.
بعض الأوساط الرسمية بدأت تتصرّف على أساس، ان النصرة حذفت من معادلة الجرود، وان الحزب سيسلم مواقعها للجيش الذي استكمل استعداداته للتعامل المناسب مع داعش، المتواجد في الجزء الشمالي من جرود السلسلة الشرقية، لكن بعض المواقف المعلنة أمس، عززت الهواجس من مخاطر توظيف عملية الجرود لحسابات تتخطى المصلحة الوطنية الصرفة.
وقبل الحديث عن الحملة على داعش، المتوقعة قريبا، العين على جلسة مجلس الوزراء يوم الأربعاء، وما قد يثار من خارج جدول الأعمال، من طروحات تحدث عنها الدكتور سمير جعجع، وتتناول الاستراتيجية الدفاعية وصولا الى دور حزب الله، وحساباته الاقليمية، استنادا الى لائحة التحذيرات التي تلقاها الرئيس الحريري في واشنطن، كما من ممثلي الأمم المتحدة في بيروت…
وضمن التوقعات، ان تقابل أوساط الحزب الوزارية هذا الطرح باثارة قضية الخطاب السياسي الذي اعتمد في معرض عرض وجهة نظر واشنطن، وبالتحديد الرئيس ترامب، من دون أي اعتراض أو استطراد من الجانب اللبناني…
لكن المصادر المتابعة تتحدث عن اتصالات باشرتها بعض المرجعيات، لتجاوز الأمور المعكّرة للاستقرار الحكومي، من خلال اعتبار ان ما قيل في واشنطن، قيل بضغط الظروف، وان المشكلة الأساس تتصل بالعقوبات المالية الأميركية على الحزب وعبره لبنان، علما ان الأوساط الدبلوماسية تشير الى ان هذه العقوبات تستثني الجيش والمصارف والبيئة التي ينتمي اليها حزب الله ككل.
وتبقى معركة الجيش مع داعش في جرود رأس بعلبك والقاع، فحزب الله يضعها في خانة تثبيت ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، ورئيس كتلته النيابية الحاج محمد رعد يؤكد بأننا سنكون جنبا الى جنب مع الجيش تنسيقا واداء، ومن لا يعجبه الوضع فليبحث عن آخر… والقوات اللبنانية وحلفاؤها في الحكومة، تقول بلسان الدكتور سمير جعجع: ولا يوم قبلنا بمعادلة الشعب والجيش والمقاومة، مضيفا بأن الخلاص من النصرة في جرود عرسال، أتى في سياق الحرب التي يخوضها الحزب، دفاعا عن النظام السوري…
هذه الرؤى المتباينة، والمستحيلة التلاقي، هل يمكن أن تؤثر على التوجهات المعلنة، لمرحلة ما بعد رحيل النصرة عن الجرود؟
الأوساط المعارضة للثلاثية الذهبية داخل الحكومة وعلى المستوى السياسي العام، واثقة من ان الجيش اللبناني، يملك القدرة والقرار والبوصلة الصحيحة، وهذا جانب من جوانب الاحترام الدولي له، والانكباب على دعمه، وبالتالي لا مبرر لمخاوف البعض من استثمار سياسي، لعملية اخراج داعش من الجرود، عبر تحويل العملية الى صندوق بريد دولي، أو تكريسها لأمور واقعة…
هذه الأوساط، ترى ان الاعتماد على الجيش، هو من منطق الأشياء، بحكم التزامه الوطني بالقرار السياسي للدولة اللبنانية، علما ان هذا لا يقلل من أهمية دور حزب الله كمقاومة ضد المحتل الاسرائيلي، فالجيش بالنتيجة للجميع.
والسؤال الاستباقي الآن، ماذا بعد خروج الدواعش من الجرود أيضا، وماذا عن مآل النازحين السوريين في لبنان؟
واضح ان التطورات الأخيرة، بدءا من الحملة ضد النزوح السوري بطابعها التحريضي وانتهاء لعملية اخراج المسلحين من الجرود، إنما أتت في سياق التسوية المطروحة، بصياغة أميركية – روسية على مستوى المنطقة.
والأميركيون والأوروبيون ما زالوا يمانعون في اعادة النازحين إلاّ الى مناطق آمنة وأمينة، وهذه ما زالت أقرب الى حلم ليلة صيف.
ومحور اهتمام الغرب عموما، إبقاء النازحين حيث هم، مهما تكلفوا عليهم من بعيد، لأن ألف يورو للنازح السوري في لبنان سنويا، بديلة ثلاثين ألفا في السنة، للمهاجر في أوروبا، وهنا يكمن الوجه الاقتصادي المطوّل في عمر النزوح…