IMLebanon

ماذا وراء «الهجمة»؟ كثرة موفدين وندرة سيّاح

يتدافع المسؤولون الدوليون الكبار لزيارة لبنان حتى ليصح التساؤل عن دوافع هذه الهجمة الإيجابية والمباركة من دون أدنى شك. ذلك أننا في ظروفنا العادية لم نواجه إزدحاماً في توافد الزائرين كما هي الحال هذه الأيام، مع مفارقة لافتة وهي أننا أمام كثرة موفدين وندرة سيّاح… وليت الأمر كان معكوساً.

وفي التقدير، وإنطلاقاً من الواقع، أن أحداً من كبار الزوار (رؤساء ورؤساء وزارات ووزراء وأمناء عامين) لا يزورنا إكراماً لسواد عيوننا، وليس بينهم من برّحه الشوق إلينا، أو استطاب الإقامة في عطور النفايات التي تملأ أجواء بلاد الأرز… ببساطة، إنهم معنيون بالنازحين السوريين.

ونبادىء الى القول إن هذا الإهتمام ليس نابعاً من روح إنسانية ومبادرات انسانية وتعاطف إنساني مع السوريين الذين حلّوا بيننا بنحو مليون ونصف المليون نازح… إنما هو نابع من مصلحة بلدان الزوار أنفسهم. وأصلاً، هذا أمر طبيعي إذا أردنا أن نتخلى عن طفوليتنا المتواصلة والمتأصلة في نفوسنا، نحن المشرقيين، الذين يبدو أنه يتعذر علينا أن نغادر خانة المراهقة، قدر ما يتعذّر علينا أن نغادر زوايا التاريخ العفنة والمظلمة.

فبعد همروجة شعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان وما شئتم من كلام غربي تتغرغر به الحناجر وتلفظه الشفاه، وما تخللها من مزايدات حزبية وإنتخابية، استفاق الغرب الأميركي والأوروبي على حقائق عديدة، أبرزها أمني بامتياز، فجرت إعادة نظر شاملة في مسألة التعامل مع النازحين السوريين، بعدما باتت العواصم والمدن الكبرى تنام على هاجس أمني لتستيقظ على كابوس أكبر وأخطر.

فكانت الهجمة على البلد الذي يأوي أكبر قوم من النازحين في معادلة (بينهم وبين أهالي البلد) غير معقولة وغير مقبولة. ولسنا هنا في وارد الدفاع عن نظرية «التوطين» التي نعترف بأن لها مرتكزاتها، ولا أن ننقضها، إنما نسجل أن هماً كبيراً يأكل مع كل لبناني في الصحن جراء أزمة النزوح التي ينوء تحت ثقلها كاهل هذا الوطن الصغير المعذّب المنكوب من مطامر الشاطىء حتى مقالع الجرود، ومن طيران العدو الإسرائيلي في الناقورة الى الإعتداء على مواقع الجيش عند النهر الكبير.

وأما الوعود والعهود فلا يتسلم اللبنانيون إلاّ «من الجمل أذنه»، أو بالأحرى كان يصله من الجمل أذنه، بينما اليوم لم يعد ولن يعود يتسلم أي شيء إذ ستتولى الجهات الدولية (العامة والخاصة) التعامل مباشرة مع النازحين. أما اللبنانيون فعلى قاعدة «شمّ ولا تدوق». علماً أن حاسة الشمّ عندهم بدأت تفقد خاصيتها لشدة ما عانوا ولا يزالون يعانون من أريج النفايات الذي يعطّر الأجواء ساحلاً وجرداً، مدينة وريفاً.

وأهلاً وسهلاً «بالزوار» فنحن الضيوف وأنتم أرباب المنزل… أصلاً كل عمرنا نحن الضيوف والآخرون أرباب المنزل… فلماذا تضيق، هذه المرة، في أعيننا؟!