Site icon IMLebanon

ماذا وراء «تعليمة تقريب الإنتخابات».. مصلحة حزب الله أولاً!

    إتجاهات المشهد اللبناني لا تُفرض بقرار محلي بمعزل عن مظلة الأمان الدولية والإقليمية

    الإستحقاق الإنتخابي العنوان الرئيسي أمام حكومة الحريري والهدف البعيد قطع الطريق على تمديد رابع

هل من «كلمة سر» أو «لغز» يكمن وراء الطرح المفاجىء بتقريب موعد الانتخابات النيابية العامة؟ الصورة لا تبدو جلية حول الأهداف الكامنة وراء هذا الطرح والداعين إليه، وما إذا كانت الأهداف ترتبط بحسابات استثمار سياسي داخلي على وقع الميدان السوري، أم أنها مجرد ابتزاز سياسي بين القوى المعنية انطلاقاً من مصالح كل طرف، أم هي فعلياً تتعلق بانتفاء الحاجة الى انتظار الموعد المحدد للاستحقاق بعد استحالة تنفيذ الاصلاحات التقنية التي اتخذت آنذاك مبرراً للتمدد حتى أيار، أو هي ورقة ضغط استباقية لحماية إجراء الانتخابات في توقيتها المقرر، وذلك عبر قطع الطريق أمام أي تذرُّع بعقبات قد تدفع إلى تمديد جديد للمجلس أو تعديل جوهري على القانون.

قد يكون ثمة تشابك بين كل تلك الأهداف، فإقرار قانون الانتخابات جرى وسط قلق من تداعيات الاشتباك السياسي الذي كان يشي بأزمة فعلية في البلاد في ظل المهل الضاغطة، وهو ما أدى عملياً إلى ولادة قيصرية لقانون غير ناضج ومكتمل التكوين في جملة مسائل تصبّ في صلب المعادلة السياسية لا التقنية، بمعنى أن آليات التطبيق قد رُحِّلت إلى ما بعد إقرار القانون، بما يُدخل البلاد مجدداً في مخاض جديد للاتفاق على تلك الآليات التي لا تتعلق بالسبل الأفضل لانتخابات شفافة ونزيهة وسلسة، بقدر ما تتعلق في طرق الاحتساب للصوت التفضيلي واحتساب الكسور وما إلى هنالك من مسائل تقنية عدة تؤثر بشكل مباشر في النتائج السياسية للانتخابات. وهو ما بدا يتمظهر في تعثّر اللجنة الوزارية المعنية البحث في تطبيق القانون، الذي أقره المجلس على أساس النسبية، في التوافق على أسس مشتركة بما يكشف عن حال من التجاذب السياسي لا يمكن وصفه بـ«غير المرئي» بل بـ«غير المتبلور» في نتائجه النهائية، حتى في أبعاده الفعلية!.

وإذا كان إقرار مجلس الوزراء أمس لمشروع مرسوم «هيئة الإشراف على الانتخابات» شكّل في السياق العام التزاماً بتنفيذ الخطوات القانونية الضرورية في مسار التحضير لإجراء الاستحقاق، فإن هذا الإقرار قبل ثلاثة أيام من إنتهاء المدة التي نصت عليها «المادة 11» من القانون يدل على حال من التخبط، إذ من غير المنطقي ألاّ يكون هذا المشروع مُدرجاً على جدول أعمال هذه الجلسة أو على سابقاتها وأن يترك إقراره إلى اللحظة الأخيرة من خارج جدول الأعمال.

في رأي المتابعين، أن المأزق التقني هو مأزق حقيقي نظراً إلى انعكاساته على حسابات الأطراف الانتخابية وما يترتب عنه من نتائج سياسية، الأمر الذي يطرح تساؤلاً عما إذا كان ذلك هو السبب الفعلي وراء تهديد رئيس مجلس النواب نبيه بري بالانقلاب إذا كان من نية ما في تمديد رابع لمجلس النواب؟ أو إدخال «تعديلات أساسية ما» على القانون؟ وإذا كان كذلك، فهو موجه ضد مَنْ من الأفرقاء السياسيين؟ وإذا كان من تسابق بين «حركة أمل» والتيار الوطني الحر» حول أبوَّة طرح تقريب الانتخابات، ففي مصلحة مَنْ يصب تقريب موعد الانتخابات؟ وهل هو فعلياً طرح واقعي ومنطقي حتى ولو بات الجميع على اقتناع بأن البطاقة الممغنطة كمطلب إصلاحي صعبة التحقيق قبل موعد الانتخابات؟ فهناك من يرى أنه بغض النظر عن عامل البطاقة الانتخابية، فإن التحضيرات الإدارية والبشرية واللوجستية لقانون جديد ومعقد حتى لو كان متفقاً على آلياته التقنية تحتاج إلى وقت غير بسيط، فكيف إذا لم يتم الاتفاق عليها حتى الآن، وكيف إذا لم يتم حسم الخلاف على موضوع التسجيل المسبق للناخب الراغب بالاقتراح خارج دائرته ومكان قيده حتى يمكن لوزارة الداخلية اتخاذ الاجراءات اللازمة في هذا الشأن لضمان حقه بالانتخاب ونزاهة الانتخابات في آن.

قد يكون من المبكر اليوم رسم المسارات التي تحيط بـ«تعليمة تقريب الانتخابات» لكن مآل النقاش المتوقع أن ترتفع وتيرته سريعاً لا بد من أن يكشف خلفياتها ومراميها. ففي حين يرى مراقبون سياسيون أن طرح تقريب الانتخابات يصب أولاً وآخراً في مصلحة «حزب الله»، فإنهم لا يستبعدون أن يكون ذلك نوعاً من «جس النبض» لمدى تلك الامكانية. فالحزب، في رأيهم، يفضل لو أنه يجري الانتخابات أمس وليس غداً، من أجل الترجمة السياسية الفورية لما يعتبره «نصراً في الميدان»، ذلك أنه قادر من خلال تركيبة القانون على أساس النسبية، التي نجح في فرضها، ومن خلال إمساكه بمفاصل الدولة بفعل فائض القوة، على إحداث خرق فعلي في لوائح مختلف الأطياف اللبنانية بما يُمكَّنه وفق تقديرات كثيرين على أن يحوز على الأغلبية البرلمانبة التي قاتل من أجلها كثيراً في العام 2009 وفشل في إحرازها، وهو من خلال سيطرته القانونية على السلطة التشريعية يستطيع عندها أن يتحكم في تعديل ما يعتبره مرتكزات الحكم في لبنان، لكن الأهم من ذلك أنه يستطيع أن يُشرِّع وجوده العسكري، بما يجعله قوة شرعية لا ميليشاوية موازية للجيش اللبناني. ويذهب بعض من مناهضي «حزب الله» ومحوره إلى الاعتقاد أن الحزب يفضل تقريب الانتخابات تفادياً لإمكانات حدوث أي تحولات مفاجئة، في ظل يتنظره من ضغوطات إقليمية ودولية عليه، تطيح بالانجازات التي يرى أنه حققها كجزء من المنظومة الإيرانية في المنطقة.

وإذا كانت أوساط لصيقة بـ«حزب الله» تبدي بعضاً من التحفظ على تلك القراءة، معتبرة ان «الخط الأحمر» لدى الحزب يكمن في ذهاب أي طرف من الأطراف إلى الاعتقاد بإمكان تعديل القانون بالعودة عن مبدأ النسبية أو إدخال تعديلات جوهرية عليه، لكن تلك الأوساط توافق على ارتباط لبنان حتى في الكثير من تفاصيله الداخلية بما يجري في الإقليم، إلا أنه لا يرى أن ثمة حاجة لدى «حزب الله» راهناً بالضغط في اتجاه تقريب الانتخابات نظراً إلى ارتياحه لوضعيته العسكرية والميدانية في سوريا والسياسية في لبنان، وهو حريص في المدى المنظور على المحافظة على الحكومة برئاسة سعد الحريري حتى أنه يعتبر أن العنوان الرئيسي أمام حكومة الحريري الراهنة هو استحقاق إجراء الانتخابات النيابية، بعد حسم معارك الجرود والانتهاء من الخطر الذي كان ماثلاً على الحدود الشرقية مع سوريا، فالملفات الحياتية اليومية وحماية الاقتصاد ومسألة النازحين وما عداها من الملفات تحظى بالاهتمام، غير أنها لا تصل في أهميتها إلى إنجاز الاستحقاق الانتخابي الذي على أساسه سيتم تكوين السلطة السياسية المقبلة للبنان.

وسواء كانت الأهداف الكامنة وراء طرح تقريب الانتخابات هي الوصول فعلاً إلى ذلك أو قطع الطريق على إمكانية التحضير لتمديد جديد للمجلس النيابي أو «تعديل رئيسي» على القانون، فإن أياً من الاتجاهات التي سيستقر عليها المشهد اللبناني انتخابياً لا يمكن فرضه بقرار القوى المحلية، مهما عَظُم شأنها، بمعزل عن القوى الإقليمية أو الدولية التي لها تأثيرها المباشر وغير المباشر على لبنان والتي تشكل مظلة الأمان له سياساً وأمنياً.