Site icon IMLebanon

ماذا وراء «هدوء» نصرالله… ورسالتان من السيّد تثيران «قلق» الاميركيين والاسرائىليين 

 

اختصر رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع اسباب «فشل» زيارة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو الى بيروت بالاشارة الى ان ثمة قرار من قبل كافة الفرقاء بالحفاظ على الاستقرار الداخلي، مشيرا الى ان المواقف معروفة قبل الزيارة وبعدها، ولذلك لا شيء سيتغير… هذا صحيح تقول اوساط مقربة من حزب الله، لكن مع التذكير بان فترة العشر سنوات التي تحدث عنها جعجع بالامس، كمدة زمنية، التزمت خلالها كافة الاطراف بالاستقرار اللبناني، «غيردقيقة»، بل منافية للواقع، خصوصا ان قبل عام، اثر احتجاز الرئيس سعد الحريري في السعودية لم تنته تداعياتها «النفسية» والسياسية بعد، اقله عند رئيس الحكومة…

 

هذا الموقف «المفسر» لهزالة زيارة بومبيو، تعطي ايضا تفسيرا غير مباشر «للهدوء» الذي اتسم به الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في معرض رده وتفنيده لزيارة رئيس الدبلوماسية الاميركية، فهو بحسب تلك الاوساط، يعرف بعد رصد ومتابعة ان نتائج الزيارة كانت دون المستوى، وهو ان كان يدرك بان بعض من التقاهم بومبيو، كانوا يتمنون ان يحمل معه «الحل السحري» للتخلص من الحزب، لكنهم لم يجدوا لديه الحل المنشود، فاضطروا الى القبول بالامر الواقع الحالي والتماشي مع الوقائع، لكنه يعتبر ان هذا الامر كاف بالنسبة الى حزب الله في الوقت الراهن، ولا يريد اكثر من ذلك..ومن هنا كان السيد حريص على عدم اثارة ازمة مفتعلة على الساحة المحلية، فما لم ينجح بومبيو بافتعاله، لم يكن ليمنحه اياه نصرالله مجانا، لكن كان لا بد من رد سياسي ممنهج لافهام الاميركيين ان الكلمة الاخيرة ليست لهم، وان من يضع «النقاط على الحروف»، حزب الله وليس اي احد آخر…

 

وفي هذا السياق ثمة «رسالتان» بالغتا الدلالة، بقيت «اوراقهما مخفية» وتثيران القلق لدى الاميركيين والاسرائيليين معا، الاولى وعد من السيد باجراءات مختلفة اذا ما تطورت العقوبات الاقتصادية، و«الابهام» هنا مقصود وستكون له مفاعيل عملية ومدروسة… «والرسالة» الثانية تتعلق بالجولان حيث رفع نصرالله سقف الموقف السياسي، وترك الحراك «الميداني» دون اجابات واضحة، وفي ذلك اكثر من دلالة يفهمها الاسرائيليون جيدا…

 

اما لماذا فشلت زيارة بومبيو؟ سؤال تجيب عنه اوساط نيابية مطلعة تشير الى ان جولة مساعد وزير الخارجية الاميركي دايفيد ساترفيلد في بيروت كانت اكثر اهمية بالنسبة الى واشنطن من زيارة وزير خارجيتها التي تحولت الى نوع من «البروتوكول» السياسي- الاعلامي ولم يكن يعول عليها الكثير من النتائج الجدية، ووفقا لتلك المصادر، لم يكن رئيس الديبلوماسية الاميركية «متحمس» لاتمام الزيارة، وكان بصدد الغائها اثر تلقيه تقرير مساعده الذي سبقه قبل ايام الى بيروت، لكن القرار باتمامها اتخذ بعدما نصحت السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد في تقرير ارسلته الى الخارجية بعدم الغائها لان مردودها سيكون سلبيا على الموقف الاميركي وسيوجه «رسالة» خاطئة الى الحلفاء في بيروت، وكذلك ستكون خدمة مجانية لايران وحزب الله… وجاء بومبيو تحت عنوان «قطع الطريق» على طهران كي لا تملأ الفراغ على الساحة اللبنانية ولم يكن الطموح ابدا تحضير«المسرح» لتطورات دراماتيكية تؤدي الى تغيير في التوازنات القائمة…

 

ووفقا للمعلومات، فان الجولة التمهيدية التي قام بها ساترفيلد افضت الى نتائج «مخيبة» بعدما اتضح للاميركيين بان الاطرف اللبنانية غير مستعدة «للمخاطرة» في اتخاذ اي خطوات عملية «للتضييق» على حزب الله في الداخل، والمفاجأة المدوية كانت ان المبعوث الاميركي لم يحمل معه اجوبة على اسئلة محددة من قبل حلفائه حيال خطة المواجهة الاميركية،ولم يحصل منهم على «مقترحات» عملية تفضي الى «خارطة طريق» لاضعاف حزب الله، بل سمع كلاما تحذيريا من مخاطر توسيع العقوبات الاقتصادية على الحزب ما قد يؤدي «عرضا» للاضرار بالاقتصاد اللبناني… وقد كان لافتا في كلام ساترفيلد امام عدد من «الاصدقاء»، سؤاله عن سبب شعوره بان بلاده لم يعد لديها اصدقاء يمكن الاعتماد عليهم في لبنان؟؟ ولفت الى ان هذه الجملة ستكون خلاصة تقريره الذي سيرفعه للمسؤولين في الخارجية الاميركية…

 

طبعا هذا ماحصل، ووفقا لتلك الاوساط، فان دعوة وزير الخارجية الاميركي «الشعب اللبناني الى وقفة شجاعة بوجه إجرام حزب الله وتهديداته»، كانت «لزوم ما لا يلزم»، وفي هذا السياق لم تكن مواقف حلفاء الحزب من المسؤولين اللبنانيين هي المفاجئة، وانما كان طرفين اساسيين مصدر «الصدمة» بالنسبة للموفدين الاميركيين، فرئيس الحكومة سعد الحريري الذي لم يدافع عن حزب الله، قدم مقاربة واقعية تدعم معادلة «ربط النزاع» التي يعتمدها في مقاربة الملف، ولم يبد اي اشارة تفيد باستعداده لتغيير مسار الامور السائدة حاليا، بل شدد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في البلاد في «رسالة» واضحة تعبر عن مخاوفه من انعكاس العقوبات الاميركية على حزب الله على نجاح حكومته في «تسييل» مؤتمر سيدر…

 

لكن «النضج» كان واضحا في مقاربة رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي كان واضحا في التعبير عن المخاوف المشتركة من «توريط» حزب الله لبنان في ملفات اقليمية تتجاوز حدود قدرته على تحمل نتائجها، ولم يخف ايضا معارضته لاستمرار وجود السلاح خارج نطاق «الشرعية»، لكنه كرر السؤال اكثر من مرة على بومبيو، هل لديكم آليات تنفيذية واضحة ستؤدي في نهاية المطاف الى تصويب هذا الوضع «الشاذ»؟ وما هي الضمانة ان لا تتراجع الادارة الاميركية عن اي قرار تتخذه في هذا الاطار وتترك الجميع في «منتصف الطريق»؟ واذا لم يكن هناك قرار بالحسم على الساحة اللبنانية وابقاء الوضع ضمن التوازنات الحالية فلا داع لاثارة ازمة ستؤدي في نهاية المطاف الى نتائج «سلبية»…

 

ووفقا لاوساط سياسية مطلعة، تعلم «خصوم» حزب الله من التجارب السابقة، وهم يدركون ان «المغامرة» محفوفة بالمخاطر في غياب استراتيجية موحدة لدى «خصوم» طهران في المنطقة، فعندما ايدت القوات اللبنانية قبل نحو عام الخطوة السعودية في احتجاز الحريري ودفعته نحو الاستقالة، فوجئت بموقف اوروبي واميركي رافض لما اعتبروه «تهورا» من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، واضطرت الى دفع «اثمان» سياسية باهظة حكوميا… ولا تزال القرارات المتهورة عام 2008 عالقة في الاذهان بعدما ضغط الاميركيين يومها لنزع «سلاح الاشارة» لدى حزب الله، وحصل ما حصل…

 

وفي هذا الاطار وقبل وصول بومبيو الى بيروت «همس» بعض الاصدقاء الاوروبيين لرئيس الحكومة، وقياديين في القوات اللبنانية، ودعوهم لعدم «الانجرار» وراء اي تصعيد اميركي مفترض، وقدموا نصيحة مفادها، «حاولوا تمرير الوقت ريثما تنتهي ولاية الرئيس دونالد ترامب»… وفي السياق نفسه، تواصل احد سفراء الاتحاد الاوروبي مع شخصية سياسية وازنة في 14 آذار، بعد قليل من قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب الاعتراف بكامل سيادة اسرائيل على مرتفعات الجولان، وذكره بحكمة «الانتظار» التي تتعاطى بها اوروبا، ولفته الى ان الادارة الاميركية الحالية تقدم «الهدايا المجانية» للخصوم في المنطقة، ولا تبالي بمصالح «الحلفاء»، وهذا ما تعاني منه اوروبا ، وروى له في هذا السياق، بان وزير الدفاع الفرنسي زار واشنطن منذ اسبوع وحاول الحصول على اجوبة مباشرة من القيادة العسكرية والسياسية الاميركية حول الاستراتيجية المرتقبة في سوريا، وعاد خالي الوفاض من هناك ولم يحصل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على اي «جملة مفيدة»…

 

وهذا ما يفسر ايضا شعور السيد نصرالله بقوة منطقه وتفوق خطابه على خطاب الاميركيين، وفي ظل قرارات ترامب «المتغطرسة» لا يمكن لاحد ان يجادله، باهمية وجود سلاح المقاومة لحماية المصالح اللبنانية بعدما ثبت «بالوجه الشرعي» ان العالم والاميركيين خصوصا لا يفهمون الا «لغة القوة»…