ماذا وراء المواقف التصعيدية غير المحسوبة للتيار الوطني الحر؟
مصادر سياسية تعزو السبب إلى فقدانه الأمل في وصول الجنرال إلى بعبدا
المعلومات عن الخطوات التي يعدّ لها التيار البرتقالي لا تزال متضاربة ما بين سحب وزيريه من الحكومة ومقاطعة جلسة هيئة الحوار الوطني؟!
البلد في حالة جمود قاتل وخطر وينبغي التحرّك العملي للخروج من هذه الحالة بغية التمكّن من مواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية في زمن التحولات، هذا ما يقوله وزير الداخلية نهاد المشنوق، بحكم كونه يملك كل الملفات الأمنية والسياسية إلى الملفات الأخرى المتفرعة عنها كالملفات الاجتماعية والاقتصادية والمالية، فيما يمضي التيار الوطني الحر في التصعيد من التهديد الجدّي بالإستقالة من الحكومة لإجبارها بدورها على الإستقالة، وسقوط آخر معاقل المؤسسات الرسمية في البلاد بعد الفراغ في رئاسة الجمهورية والشلل في مجلس النواب الممدّد له.
ولا يتوقف التيار البرتقالي في تصعيده عند حدود التهديد بالإستقالة من الحكومة لأنها على حدّ زعمه فقدت ميثاقيتها لأن ثلاثة وزراء من أصل 24 وزيراً قاطعوا إحدى جلسات مجلس الوزراء بل يذهب أبعد من ذلك في التصعيد إلى حدّ التهديد بمقاطعة جلسة الحوار الوطني التي دعيت إلى الاجتماع في الخامس من هذا الشهر، كتعبير عن خروجه التام من الائتلاف الوطني، وترك الأمور تنزلق نحو المجهول المعلوم، الأمر الذي يدفع إلى اتهام التيار البرتقالي صراحة بأنه يُشارك بصورة فعلية وعملية في المؤامرة التي تهدف إلى تفريغ المؤسسات الدستورية الثلاث وهي رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب وصولاً إلى المؤتمر التأسيسي الذي يُطالب به حليف التيار حزب الله لإعادة النظر في النظام القائم وتغيير قواعد الاتفاق الميثاقي الذي تبنّاه إتفاق الطائف وأرسى وفقاً لذلك السلام أو الهدنة بين اللبنانيين على قاعدة ميثاق 1943، القائم على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين وعلى صيغة العيش المشترك التي أرساها إتفاق 1943.
ولا يوجد أي سبب لهذا التصعيد الذي فاجأ به التيار البرتقالي الرعيل الأوسع من اللبنانيين سوى أنه وصل في ترشيحه لرئيسه العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية للطريق المسدود، فقرّر قلب الطاولة على الجميع بدءاً من طاولة الحوار الوطني التي أُنشئت للحفاظ على الحدّ الأدنى من التواصل بين الفرقاء اللبنانيين المتنازعين على السلطة، إلى أن ترسو المنطقة المتفجّرة على شاطئ ما من الشواطئ حمالة الأوجه من إعادة إحياء فكرة الشرق الأوسط الجديد إلى فكرة سايس بيكو أي إعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية ضعيفة متناحرة وبالتالي غير مهيّأة للعب أي دور في هذه المنطقة، فهل هذا ما يريده بالضبط التيار البرتقالي من هذا التصعيد غير المحسوب وفي الوقت الذي تتداعى القوى السياسية بدءاً بوزير الداخلية وصولاً إلى رئيس الحكومة من أجل تهدئة الأوضاع الداخلية وضبضبتها لإبعاد لهيب المنطقة عن لبنان، وإيجاد مساحة واسعة من الهدوء والتفاهم بين مكوناته الأساسية تشكّل للبلد مناعة في وجه كل الأعاصير التي تهبّ عليه من المنطقة.
من البديهي أن يتذرّع التيار البرتقالي بأمور كثيرة لتبرير هذا التصعيد في الوقت غير المناسب، كأن يقول بأن المسؤولية تقع على رئيس الحكومة لأنه تجاهل اعتراضه على عقد جلسة لمجلس الوزراء وإقرار سلسلة من المشاريع والبنود المدرجة على جدول أعماله في ظل غياب مكوّن أساسي ما أفقد حكومته ميثاقيتها وبات الأمر يستدعي الذهاب في التصعيد إلى الحدود التي تلجم الحكومة، وتعيدها إلى حظيرة الميثاقية، وإما أن التيار أدرك من خلال الأجواء الإقليمية والمواقف التي أطلقها بعض الأطراف الداخلية ومنها تيّار المستقبل أن حظوظ العماد عون في الوصول إلى رئاسة الجمهورية أصبحت في حدود المعدومة فلجأ إلى التصعيد بهدف خلط الأوراق وعلى طريقة عليّ وعلى أعدائي، أم أن الأمر لا يتعدى بالنسبة إليه هزّ العصا في وجه الجميع لإعادة النظر في حساباتهم واستدراك الأمر قبل إقدام التيار البرتقالي على قلب الطاولة، وصولاً إلى المؤتمر التأسيسي الذي ما زال حزب الله متمسكاً به وليس على استعداد للتخلي عنه، إلا في حال رضخ الجميع لإرادته وارتضوا بمرشحه الوحيد لرئاسة الجمهورية، حتى إذا تصدّى الآخرون له بادر إلى التراجع عنه بحجة أن الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان تستدعي من كل الفرقاء مقاربة الوضع بواقعية بعيداً عن أي إنفعالية غير محسوبة النتائج، لكن المؤشرات لا تُشير حتى الآن إلى أنه سوف يتراجع عن التصعيد ويسلك طريق التهدئة بعدما قرّر تقديم شكوى إلى مجلس شورى الدولة ضد الحكومة وقراراتها، وبعد أن أعلن الاستمرار في مقاطعته للحكومة، وفي اللجوء إلى مختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة من أجل إخضاعها لمشيئته أو لدفعها إلى الإستقالة وتعميم الفراغ في كل مؤسسات الدولة الدستورية من رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب فالحكومة التي ما زال بقاؤها يُشكّل الضمانة الوحيدة لاستمرار شرعية الدولة بكل مؤسساتها ولو كانت معطّلة بشكل أو بآخر.
المعلومات عن الخطوات التي يعدّ لها التيار البرتقالي ما زالت متضاربة، فثمّة من يرى أنه لن يذهب إلى حدّ سحب وزيريه من الحكومة بهدف نزع الميثاقية عنها وإجبارها بالتالي على الإستقالة، وثمّة فريق آخر يستبعد أن يذهب التيار إلى حدّ مقاطعة جلسة هيئة الحوار الوطني التي دعيت إلى الانعقاد يوم الاثنين المقبل لاعتبارات تتعدّى الميثاقية إلى الخروج من سباق رئاسة الجمهورية، وهذا ما يؤيّده النائب آلان عون، لكن فريقاً آخر يعتبر أن التيار البرتقالي سيواصل التصعيد في وجه الجميع بعدما فقد الأمل في إيصال مؤسسه إلى بعبدا.