على الرغم من أنّ رئيس «تكتّل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون رفض وصف نتائج جلسة الحوار الثالثة والتي تلاها إجتماع سُداسيّ ضيّق ومُغلق، بغير المُثمرة، فإنّ الأمور لا تزال عالقة على مختلف المتسويات، بدءاً بمسألة الإنتخابات الرئاسيّة، مروراً بقانون الإنتخابات النيابيّة، وُصولاً إلى مسألة عدم إحالة قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز إلى التقاعد، إضافة إلى مسألة إعادة العمل في كل من مجلسيّ النوّاب والوزراء وفق أسس سليمة وواضحة.
وقد رأت مصادر سياسيّة مُطلعة أنّ الجلسات المُتتالية التي جرى التوافق على عقدها في السادس والسابع والثامن من تشرين الأوّل المُقبل، ستكون حاسمة في هذا المجال، حيث أنّ ما بعدها لن يكون كما قبلها، فإمّا يتمّ وضع الحلول على السكّة، وإمّا البلاد تتجه لجولة من التصعيد الجديد، ستبدأ بالتظاهرة الشعبيّة التي دعا إليها «التيّار الوطني الحُرّ» يوم الأحد الواقع فيه 11 تشرين الأوّل المقبل على طريق «القصر الجمهوري»، من دون أن يُعرف كيف ستنتهي!
ولفتت المصادر عينها إلى أنّ مسألتي إنتخابات رئاسة الجمهورية وقانون الإنتخابات النيابيّة قابلتان للأخذ وللردّ لفترة من الوقت، وحتى للمُماطلة لفترة طويلة، شأنهما شأن مسألة آلية العمل داخل مجلس الوزراء ومسألة إعادة الدور التشريعي لمجلس النوّاب، بينما مسألة إيجاد مخرج لبقاء العميد روكز في الخدمة العسكريّة غير قابلة للتسويف أو للإرجاء، لأنّها محسومة بسقف زمني حدّه الأقصى 15 تشرين الأوّل، بحيث يُصبح بعده صُهر «الجنرال» خارج السلك العسكري، كعميد سابق مُتقاعد.
وشدّدت المصادر عينها على أنّ إيجاد حلّ لهذه المعضلة لا يُمكن أن يتم إلا بتسوية سياسيّة لأنّ إعتماد الطرق القانونيّة لا يُوصل العميد روكز إلى أيّ مكان، باعتبار أنّه بحسب التراتبيّة العسكرية والعُمر وسنين الخدمة، يُوجد ما بين 13 إلى 20 عميداً (عدم الدقّة في الأرقام نتيجة تباين في معلومات المصادر) يتقدّمون على العميد روكز بأحقية الترقية. وأضافت أنّه في حال جرى تبنّي أيّ من الإقتراحات التي تحصر موضوع الترقيات إلى رتبة لواء بعدد محدود جداً من العمداء، فإنّ هذا الأمر سيُوجد مشكلة كبرى داخل قيادة الجيش وفي صفوف كبار الضبّاط والعمداء، حيث من المُتوقّع أن يرفع كل العمداء المُتضرّرين من القرار، الصوت عالياً، إعتراضاً على إستثنائهم من مسألة الترقيّات، وربطها بمُصاهرة من هنا وبصفقة سياسية من هناك!
وأكّدت المصادر السياسيّة نفسها، أنّه في الوقت الذي يراهن العماد ميشال عون على وساطة رئيس «الحزب التقدّمي الإشتراكي» النائب وليد جنبلاط، وعلى ضُغوط «حزب الله»، وعلى عدم مُمانعة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، لتمرير مسألة ترفيع العميد روكز والإحتفاظ به في السلك العسكري، يُراهن «تيّار المُستقبل» على قيادة الجيش لرفض أي تسوية سياسيّة في هذا الصدد، ليس إعتراضاً على العميد روكز كشخص، بل رفضاً على تسليف العماد عون نقاط قُوّة بشكل مجّاني ومن دون أيّ مكاسب مُقابلة. وتابعت المصادر عينها بالقول إنّ كلاً من العماد جان قهوجي الذي يشغل منصب قائد الجيش منذ 29 آب 2008، واللواء الركن وليد سلمان الذي يشغل منصب رئاسة الأركان منذ 14 تموز 2011، نسجا علاقات قويّة داخل قيادة الجيش تُخوّلهما أن يكون لهما كلمة مسموعة في أوساط القيادة العسكرية بشأن أيّ تسوية مُحتملة. وأضافت أنّ موقفهما يتعزّز من خلال وزير الدفاع سمير مُقبل الذي يتناغم مع رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان في رفض أيّ تسويات على حساب معنويّات كبار ضبّاط الجيش الذين لن تشملهم تسوية الترقيات. ومضت المصادر نفسها بالقول إنّه حتى في حال موافقة «تيّار المُستقبل» على أيّ تسوية، فإنّ وزراء حزب «الكتائب البنانية» وأولئك المحسوبين على الرئيس سليمان إضافة إلى الوزير بطرس حرب وربما أيضاً الوزير ميشال فرعون، قادرين بسهولة على عرقلة أيّ تسوية سياسيّة بشأن التعيينات الأمنيّة فور عرضها على مجلس الوزراء، خاصة أنّ إمتعاضهم بلغ ذروته بسبب إبعادهم عن اللقاء السُداسي حتى ولوّ أنّ «المُستقبل» كان حاضراً فيه. وشدّدت المصادر السياسيّة المُطلعة على أنّ هذا التحالف السياسي العريض وغير المُباشر، قادر على عرقلة أيّ تسوية سياسيّة لا تضمّ كل الأطراف، حتى لو أنّ رأي النائب جنبلاط مُخالف لكل قوى «14 آذار» وتلك المُصنّفة «وسطيّة»، إنطلاقاً من رغبته في تهدئة التصعيد الذي ينتهجه العماد عون حالياً، والذي ينعكس شللاً على مختلف المُستويات في البلاد، علماً أنّ رئيس «التقدّمي» يعتبر أنّ بقاء العميد روكز في الجيش ضمن تسوية ما، لا يعني وُصوله حُكماً إلى منصب قيادة الجيش في المُستقبل، وإنمّا تأجيل البحث في الموضوع إلى مرحلة مُستقبليّة فقط لا غير.
وبالنسبة إلى قيام وزير الدفاع الحالي، وبناء على إقتراح قائد الجيش بإستدعاء العميد إدمون فاضل من الإحتياط بعد بلوغه تاريخ التقاعد القانوني، وتمديد خدمته لمدّة ستة أشهر، علماً أنّه يشغل منصب مدير جهاز إستخبارات الجيش، خلفاً للعميد الركن جورج خوري، منذ 9 أيلول 2008، رأت المصادر السياسيّة المُطلعة أنّ هذه الخطوة مرّت من دون ضجّة لأنّها طالت مُوظّفاً عسكرياً لا يُمكن إيجاد من يخلفه في منصبه الحسّاس بسهولة في ظلّ الإنقسام الحالي، على الرغم من وجود أكثر من عميد كان يتمّ التداول بإسمه، مثل العمداء كميل ضاهر وريشار حلو وفادي داوود ووديع الغفري، وغيرهم. وأوضحت أنّ تمديد خدمة العميد فاضل تمّت إنطلاقاً من قاعدة التمديد المُعتمدة على مختلف المُستويات حالياً بالنسبة إلى المناصب الأمنيّة والسياسيّة، وهي تختلف بالتالي عن أيّ تسوية يتم تفصيلها لإرضاء العماد عون سياسياً.
ولفتت المصادر السياسيّة المُطلعة إلى أنّه يُخطئ من يظنّ أنّه يُوجد إجماع على مسألة ترقية العميد روكز وبضع ضبّاط آخرين في صفوف كبار ضبّاط الجيش، لأنّ كل عميد ماروني يطمح لأن يكون قائداً للجيش، ويرفض أن يُستثنى من أي ترقية غير مُحقّة قد تطال أحد رفاقه في الدورة نفسها، مشيرة إلى أنّ أجواء إمتعاض بدأت تتسرّب إعلامياً من محيط أكثر من ضابط، بعضهم يتمتّع بسمعة ممتازة وباحترام كبير داخل المؤسّسة العسكرية من وزن العميد مارون حتي والعميد جورج خميس على سبيل المثال لا الحصر. وتوقّعت أن يتحوّل الإعتراض على تسوية تُنصف عدداً محدوداً من الضبّاط دون سواهم إلى كرة ثلج إعتراضية تكبر مع الوقت، حيث أنّ الكثير من العمداء لن يحذوا حذوى العميد جورج نادر، القائد السابق لفوج المجوقل، والذي عُيّن ملحقاً عسكرياً في فرنسا لإبعاده عن سباق قيادة الجيش قبل مُدّة، قبل أن يتقاعد بسلام ومن دون ضجّة!
وختمت المصادر عينها بالقول إنّه إضافة إلى الخلافات السياسية التي تُعرقل تأمين الظروف المناسبة لإنتقال قيادة الجيش بشكل سلس من ضابط إلى آخر، تُوجد أياد خفّية تعمل على العرقلة، ولعلّ التذكير باغتيال اللواء الركن الشهيد فرانسوا الحاج الذي يتردّد أنّه كان المُرشّح الأساسي لتولّي منصب قيادة الجيش قبل أن تطاله يد الغدر في إنفجار في بعبدا في 12 كانون الأوّل 2007 يؤكّد هذا المنحى. وأضافت: «من هنا إنّ الإفراط في التفاؤل بحل مُشكلة قرب تقاعد العميد روكز في غير محلّه، لأنّ الحل لا يُمكن أن يكون إلا سياسياً ونتيجة مباشرة لإجماع وتوافق سياسيّين واسعين».