مجدداً العراق إلى الواجهة، أخبار التظاهرات في العراق طغت منذ يوم الجمعة الماضي على أحداث المنطقة، بما فيها أحداث غزّة الدامية التي كادت أن تشعل حرباً جديدة، وبحسب الأنباء المتداولة القيادات الأمنية لا تعرف مَن تواجه، فيما أشارت اتهامات إلى تورّط إيران عبر عدد من أنصارها بتحريك هذه التظاهرات.
ليس ببعيد عن إيران التورّط فيما يحدث في العراق، تاريخيّاً كان العراق البوابة التي تدخل منها «فارس» لزعزعة المنطقة وأمنها، خلال العقد الأخير من القرن الماضي تمكّنت من الإمساك بخناق المنطقة العربيّة من بوابة العراق بعيد سقوطه في العام 2003، ولا تملك إيران سلطة فرض حكم مستقرّ في الدول التي قبضت عليها، ولكنّها تملك قدرة زعزعة الاستقرار واضطراب حبل الأمن، نتائج الانتخابات في العراق أكدت الرّفض العراقي للتسلّط الإيراني على العراق، محاولات تعطيل هذه النتائج باءت بالفشل، والفوضى تناسب إيران بشدّة في هذه المرحلة.
هذا تاريخ يُعيد نفسه وإن بصياغات جديدة ومتعددة، إيران اليوم احتاجت إلى بضع سنين لزعزعة استقرار العالم العربي، لكنها قبل ما يقارب ألفيّة وقرنين من الزمن، منذ زمن الخلافة الأموية، ولاحقاً الخلافة العباسيّة احتاجت إلى ما يزيد على قرن من الزمان، بينها سبعة عقود ويزيد من العمل المنظّم الدؤوب الخبيث دعمت فيه تأسيس الخلافة العباسية بالجند ترسلهم من خراسان لتعيد تطويق العرب معتمدة «الصبر الاستراتيجي».
ذاكرة الأيام مثقوبة، أغلب الظنّ أن لا أحد في هذا العالم العربي المترامي يتذكّر كلام علي يونسي [مستشار الرئيس الإيراني لشؤون القوميات والأقليات الدينية] في أيار العام 2016، برغم خطورة هذا الكلام الذي يؤكّد أنّ ما تفعله إيران اليوم هو امتداد لصراع تاريخي اشتدّ أواره منذ الخلافة العباسيّة، خصوصاً وأن كلامه جاء في مناسبة دينيّة [ذكرى وفاة الإمام الثامن في المذهب الشيعي الاثني عشري، الإمام علي ابن موسى الرضا]، يومها أعلن في اعتراف إيراني صريح وفجّ أنّه «عندما قتل الإيرانيون شقيق المأمون (الأمين) سحبوا السلطة من العرب إلى الأبد»، كلّ فتنة في هذا التاريخ العربي والإسلامي أصلها فارسي وأبطالها فرس والعقول المدبّرة لها فارسيّة!
مشهد قتل الخليفة محمد الأمين بن هارون الرشيد يستحقّ أن يروى، لم يكذب يونسي عندما قال «عندما قتل الإيرانيون شقيق المأمون»، يوم أعلن طاهر بن الحسين (قائد جيش المأمون الخراساني الإيراني) خلع الأمين، ونادى بالبيعة للمأمون بالخلافة [«طاهر بن الحسين» الذي خرج على رأس جيش كبير معظمه من الفرس من خراسان مناصراً المأمون في فتنة حرب الأخوين، وتسمّى الفتنة الكبرى الثالثة]. وعندما تم القبض على الأمين ووضع في السجن. وفي ليلة (25 من المحرم 198 هـ = 25 أيلول 813م) دخل عليه جماعة من الفرس في حبسه، فقتلوه ومثّلوا بجثته، وعندما دخل عليه قتلته قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم دنا منه أحدهم فضربه بالسيف على مفرق رأسه فجعل يقول: ويحكم! أنا ابن عم رسول الله ﷺ، أنا ابن هارون، أنا أخو المأمون، الله الله في دمي. فلم يلتفتوا إلى شيء من ذلك، بل تكاثروا عليه وذبحوه من قفاه وهو مكبوب على وجهه، وأخذوا رأسه إلى طاهر بن الحسين.
هذا مشهد تاريخي لا بدّ أن يذكّر كثيرين بمشهد إعدام إيران للرئيس العراقي صدّام حسين [مع مراعاة فوارق الزمن والنسب] صبيحة عيد الأضحى 30 كانون الأول 2006، علي يونسي في كلامه في أيار العام 2016 ذهب يونسي اعتبر أنّ «أغلبية الأحداث التي نعيشها اليوم هي محاولة لاستعادة سيطرة العنصر العربي على العالم الإسلامي»، هذه المرّة علينا أن نتساءل: من الذي تخطط إيران لقتله في العراق، خصوصاً وأنّه حتى الساعة لا أحد يعرف من يقف وراء هذه الفوضى المتنقلة في عراق الفتن!