بين المحورين المعنيين بالاستحقاق الرئاسي صراع اللحظات الاخيرة الحاسمة قبل بلوغ جلسة 2 آذار لتحقيق انجاز او على الاقل اختراق ما خصوصاً وان عودة سعد الحريري لم تأت من العدم تقول مصادر مسيحية، بل من المفترض ان تحسم الجدل الرئاسي وفق التوقعات وصولاً ربما الى الحسم، فالمحور الذي يدعم وصول النائب سليمان فرنجية يعمل على تحسين شروطه قبل ولوج باب المجلس فيما المحور المؤيد لميشال عون غارق الى حد الصمت المخيف ويحاول ان يعمل بين السطور لفكفكة العقد الداخلية والاقليمية التي تعيق وصول عون الى بعبدا وفي هذا السياق يمكن قراءة الخطاب السياسي الذي خصصه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للموضوع الاقليمي والصراع مع اسرائيل وحرصه على الابتعاد عن الموضوع الرئاسي رغم ان كل التوقعات كانت تتوقع ان يرد نصرالله على كلام الحريري الذي ساقه في احتفال البيال ضد حزب الله وايران بعد ان كانت فاتحة وصول الحريري خطاباً نارياً ضد الخصوم والحلفاء السابقين مكرساً حالة طلاق غير معلن مع زعيم معراب.
ولكن السيد حسن نصرالله وفق المصادر اختار ان «يولعها» على طريقته فتفادى الرد على الحريري العائد محتدماً لشد عصب جمهور 14 آذار الضعيف مفضلاً العودة الى موضوع الصراع مع العدو الاسرائيلي وما يحصل في سوريا بانتظار ما سيكون التعاطي مع الحريري بعد ان تهدأ ثورته السياسية وتوتره في الموضوع الرئاسي. فحزب الله الذي يمسك الملف الرئاسي بالتزامه مع ميشال عون يدرك ان الرد العنيف على الحريري في اعقاب عودته ليس في توقيته الصحيح ولا يكسب حزب الله بل يزيد التعاطف مع الحريري، كما ان حزب الله يدرك ان الحريري منذ ان سار بترشيح شخصية من 8 آذار اعلن انه استسلم في الملف الرئاسي ولا يملك خيارات كثيرة ومتنوعة في هذا الموضوع خصوصاً ان الحريري يرغب بالتنسيق مع السعودية بالعودة الى الحكومة بعد الغياب الذي اثر سلباً على جمهوره السني ووضعيته السياسية.
وبالتالي فان الحريري تضيف المصادر يريد رفع الصوت لاستقطاب الجماهير، من هنا كان رده على خطوة حليفه في معراب من على مسرح «البيال» والتي اعتبرت خطوة ناقصة وخارج سياق ربح الحريري وقد حاول تجميلها وترميمها في عشاء معراب في اليوم التالي، وتماماً هذا ما حصل في التعرض لحزب الله من البيال فور وصوله والذي جاء في غير محله الصحيح في السياق السياسي، خصوصاً وان الحريري لم يحضر الى بيروت الا لتحقيق اختراق والعودة الى الحكم وهذا الموضوع لا يمكن ان يحصل بدون حزب الله اما من خلال السير بمرشح حزب الله ميشال عون او من خلال التفاهم مع عون اما لتقديم تنازل لصالح فرنجية مع استبعاد هذه النقطة بالذات لأن عون ليس في وارد التسليم بالرئاسة، وعليه فان الحريري كما تقول المصادر سيكون بعدما انجز كل اطلالاته وعرض عضلاته السياسية امام واقع فتح صفحة مختلفة مع حزب الله لانجاز الاستحقاق بسرعة أولاً لأن تطورات الوضع السوري ليست في مصلحة فريقه ولأن المظلة الاقليمية الموضوعة فوق لبنان لحمايته قد يتم رفعها في اي وقت. من هنا فان الحريري قد لا يستمر طويلاً في التصعيد أولاً من اجل تحقيق نقاط رابحة قبل فوات آوان الفرصة، ولأن تصعيد الحريري يحرج ترشيح فرنجية الحليف لحزب الله ومن هنا يمكن فهم مؤشرات كلام الحريري الأخير وتكويعته السياسية بقوله ان حزب الله لا يعطل الرئاسة بل يستمهل فيها الأمر الذي اعتبر عاملا مريحاً وايجابياً بعد كلام «البيال».
ومقابل تروي حزب الله فان حركة سعد الحريري ووليد جنبلاط ونبيه بري تبدو بنظر العارفين في ما يطبخ في الكواليس هي حتى الآن حركة بلا بركة، فلا حاجة لكل ما يقوم به الحريري وجنبلاط طالما ان كل فريق متمسك بمرشحه وطالما ان تسوية باريس اصطدمت بالرفض الايراني الذي تصدى لمحاولة الحريري والسعودية لضرب وشق صفوف 8 آذار، وبعد ان اكد حزب الله انه لن يقبل بغير عون رئيساً وهذا القرار لا عودة عنه إلا اذا قرر عون ترشيح فرنجية وسار به عون، وهذا ما لا يمكن ان يحصل وفق التوقعات، كما ان لا خطة «ب» في الرابية ولن يقبل عون بالتنازل او التراجع عما يعتبره حقه الرئاسي وهو الذي يتربع على اكبر كتلة مسيحية، وبالتالي، فان الرابية كما يقول العارفون لن تقبل بانصاف الحلول ولا بعروض مفخخة ووهمية قد يتم استدراجها اليها اليوم بعد عودة الحريري وجرها اليها وجل ما يمكن ان يقبل به عون هو ما لا يمكن ان يوافق عليه الفريق الآخر ويتعلق بالاتفاق المسبق على قانون النسبية وتعديل اتفاق الطائف اضافة الى سلة مطالب تعجيزية من الرابية ومفادها ان عون لن يتراجع عن موقفه ولو اتفق كل العالم والدول عليه، كما ان لا اتصالات بين الرابية وبنشعي بل ان الامور تنحو الى مزيد من التأزم مع كل موقف او خطوة يخطوها فرنجية الى بيت الوسط بعدما اطاح الى حد كبير بكامل علاقته بميشال عون ناسفاً كل جسور التواصل بينهما.
ويبقى السؤال عن مصير جلسة 2 آذار طالما المواقف على حالها وطالما ان مجيء الحريري وبعد هجومه على حزب الله في احتفال البيال لم يساهم في تبريد الاجواء وفتح آفاق للحلول ، وما سر قوة عون واستمراره في المعركة الرئاسية طالما حصل التحايل عليه اقليمياً ومحلياً وفيما يستمر الحريري بتسعير نار المعركة الرئاسية.
على ما يبدو فان جلسة 2 آذار تشبه سابقاتها وقد لا تحمل مفاجآت تذكر تؤكد المصادر، ان اصرار عون وعناده هو السبب طالما انه صاحب حق وقضية فهو لن يقبل بالاستسلام والهزيمة في معركة الرئاسة وبان يضرب من داخل بيته واقرب المقربين اليه، فميشال عون هو صاحب شعار ومقولة تستطيعون ازاحتي واقتلاعي ولكن لن تحصلوا على توقيعي، ومن اسرار قوة عون ايضاً هو هذا التفاهم مع حزب الله الذي لم يعكره اي موقف خصوصاً وان الحزب لا يزال يصر على ان عون هو الممر الإلزامي للرئاسة الاولى.
وفي حين تعتمد قوى 8 آذار سياسة الانتظار وتتفادى خطوات ودعسات ناقصة لضبضبة بيتها الداخلي، معولة على عامل الوقت لاصلاح ما اصاب العلاقة بين فرنجية وعون ولالتقاط انفاسها، فان قوى 14 آذار بعد عودة الحريري تعمل على تحقيق اختراق في الملف الرئاسي لم يتحقق بعد.
صحيح ان علاقة عون وفرنجية اهتزت كثيراً لكنها لم تسقط بعد، ثمة من يرى في كلام فرنجية بعدم نزوله الى جلسة 2 آذار مؤشراً على ان الامور مضبوطة تحت سقف حزب الله فالواضح ان فرنجية لن يقدم على اي خطوة تخسره حليفه الاستراتيجي في حارة حريك وبالتالي فان استمرار التحالف بين فرنجية وفريق 8 آذار وخصوصاً حارة حريك لا علاقة له بالملف الرئاسي لان فرنجية حليف الخط السياسي والاستراتيجي لحزب الله ولأن فرنجية ايضاً تفهم موقف حزب الله وليس لديه شكوك حول هواجسه فوصول فرنجية او عون غير مشكوك فيه والاثنان يحميان ظهر المقاومة التي تخوض معارك قاسية في قتال الارهابيين والتكفيريين على الجبهتين اللبنانية والسورية.