IMLebanon

ماذا بقي من ثورة الإمام الخميني؟

قبل 36 عاماً، نزل الإمام الخميني سلّم الطائرة في طهران، واشتعلت الثورة الإسلامية. لم يبقَ تنظيم سياسي من أقصى اليسار إلى أقصى الإسلام السياسي مروراً بالأحزاب الوطنية والليبرالية، إلاّ وشارك بالثورة. سقط الشاه ونظامه في عشرة أيام. لم يقاوم الشاه كثيراً. فرقة «الخالدون»، لم تصمد حتى يقاتل الإمام والثوّار معه «حتى يغرق السيف في الدم». أدرك الشاه أنّ ساعة رحيله قد دقّت فرحل. أهمية قرار الشاه أنّه أنقذ إيران من الغرق في بحر من الدماء، فكان بذلك وطنياً أكثر بكثير من بشار الأسد الذي ما زال المرشد آية الله علي خامنئي يدعمه، بكل ما لديه من قدرات، وهو يعلم حُكماً أن لا شيء يُبنى على بحر من الدماء ويبقى واقفاً.

لم يكن الإمام الخميني ديموقراطياً ولا دعا إلى الديموقراطية. أذكر أني في المقابلة التي أجريتها معه في نوفل لو شاتو، كان عنوانها «نريد إقامة جمهورية ديموقراطية إسلامية». سألني السيد علي محتشمي وكان عملياً سكرتيره، من أين جئت بالعنوان خصوصاً «الديموقراطية»؟ أجبته لقد تأخّرتم عليّ بالترجمة فاقترح علي صادق قطب زاده (أُعدم في ما بعد) العنوان. لم يكن الأمر واضحاً. لكن أدركت وجود مشكلة لأن التجهُّم غاب عني بعد التفسير. منذ الأيام الأولى لاستقرار الإمام في جماران، بدأت الثورة تأكل أبناءها من دون رحمة حتى قام حكم «العمامات«. لا شك أنّ الحرب مع العراق واحتلال السفارة الأميركية (الذي جرى لتأكيد الالتفاف حول نظام العمامات من خلال العداء الأميركي) قد ساهما في دفع عجلة التصفيات بكل أنواعها.

كان الإمام الخميني يملك الشرعيات الثلاث، وهي: العلم والنضال والقيادة. أهمية الإمام أنّه لم يدَعْ ابنه يرثه لكنه لم ينجح في تجنّب الانزلاق نحو «فخ» إبعاد آية الله العظمى حسين منتظري عن خلافته. فجاء بعده أضعف المؤهلين لخلافته وهو حجّة الإسلام علي خامنئي، ودفع هاشمي رفسنجاني ثمن غلطته في إبعاد منتظري فلم يأتِ هو المرشد، وبقي طوال خمسة وعشرين عاماً في صراع مستتر مع القائد الجديد.

تصدير الثورة الإسلامية كما كان يريد الإمام الخميني، لم ينجح عملياً. لا بل إنّه ساهم مع الحرب مع العراق في تأليب الجميع في الشرق الأوسط ضدّه. لذلك انزلقت الثورة الإسلامية إلى الانحياز لشيعتها.

المرشد آية الله علي خامنئي، أمضى العقد الأول من سلطته في تثبيتها. بعدها بدأ في بناء مشروعه حتى لا يكون خليفة يعيش في ظلّ الخميني. بدلاً من تصدير الثورة، قام خامنئي بالتمدّد بكل الوسائل بعد نجاح «حزب الله» لتصبح الدولة الإيرانية هي الدولة الإقليمية الأقوى.

لا شك أنّه إيرانياً يُسجَّل لخامنئي، الذي ما زال قائداً بسلطة مطلقة منذ 25 سنة، أنّه حوَّل المشروع النووي والقوة الإقليمية الكبرى مشروعاً إيرانياً قومياً. لقد عرف كيف «يقصقص» معارضة مشروعه، الذي وضع هيكليته مستشاره علي ولايتي في صيغة «القوّة الصفوية».

في العام 2009، أدرك خامنئي استناداً إلى تجاربه الشخصية في السلطة أنّ «ربيعاً ديموقراطياً» يهبّ على إيران، فعمل مستنداً إلى «الباسيج« و«الحرس« اللذين أصبحا السلطة القوية التي تقبع تحت «العمامة»، على خنق هذا «الربيع»، مستبقاً بذلك «الربيع العربي«. ما زال قادة «الربيع الإيراني» إمّا في الإقامة الجبرية أو السجون. وفي هذه الأثناء قام بتسليم مكوّنات ومؤسسات الاقتصاد الإيراني الأساسية إلى الحرس، وفتح لهم خزائن الدولة والمقامات للانتشار من لبنان إلى اليمن، من دون أن يقيم للعرب وللسنّة حساباً. ولا شك أنّ «الربيع العربي» الذي عمل كثيرون على إجهاضه، حتى ألغى القوى المركزية وهي سوريا والعراق ومصر لعقود عديدة، وسمح لقاسم سليماني أن يصبح الجنرال الذي يقود التغيير ببراعة لخدمة المشروع الخامنئي ودائماً باسم تحرير فلسطين تماماً كما فعل قبله الجنرالات العرب، الذين نجحوا في نحر بلادهم ووأد تحرير فلسطين. ولا شك أنّ وأد التحرير سيطول أكثر فأكثر مع المواجهات المذهبية وظهور «داعش» وغرق بندقية المقاومة في ثلوج القلمون وقبلها في دمشق والقصير وحلب.

المرشد خامنئي، يواجه الآن تحدّياً ضخماً وهو المصالحة مع الولايات المتحدة الأميركية بكل ما تفرض المصالحة من شروط تضع نقطة نهاية للثورة وبدء تثبيت قيام الدولة المنخرطة إقليمياً ودولياً تحت مظلة الشرعية الدولية. كل ذلك في وقت عليه أن يهيئ لعملية تسلم وتسليم في الداخل من دون الانزلاق نحو «السورنة»، وفي مواجهة مجتمع مدني غني بالطاقات والتجارب وحوالى 75 بالمئة منه وُلد قبل 35 سنة فقط.

من الواضح أنّ الثورة الخمينية قد دخلت التاريخ وأنّ ساعة الدولة الإيرانية قد دقّت وسط المصالحة مع واشنطن واشتعال الحروب والأحقاد المذهبية.