IMLebanon

ماذا بقي من حُلُمْ رفيق الحريري؟

عشرة أعوام مضت على الزلزال الذي هزّ وسط بيروت، بل الذي أعاد لبنان سنين إلى الخلف، في ضربة كانت قاضية على رؤيا الرئيس الشهيد رفيق الحريري لإعادة إعمار الوطن، وإطلاق خطة التنمية، والنهوض بمؤسساته واقتصاده، عبر تأمين الدعم المادي من خلال مؤتمرات باريس 1-2 وترسيخ دوره ووجوده مع المجتمع الدولي، حيث وظّف علاقاته الدولية لخدمة رؤياه، البعيدة المدى للبنان قادر على استعادة دوره كقبلة الشرق، وجسر تواصل مع الغرب عبر الخدمات والاستثمارات والإقتصاد القابل للإزدهار، بما يفوق كل التوقعات.

عشرة أعوام مضت ولم يتغيّر السيناريو الداخلي، ولو أن الممثلين قد تغيّروا، وتم تبديل الأقنعة بين الأفرقاء..، إلا أن الحرب على مشروع رفيق الحريري الإنمائي لا تزال قائمة، وإن تغيّرت التسميات، وباتت حرباً على شعار 14 آذار وهو «لبنان وطن للحياة».. فالتعطيل لا زال قائماً ولو أن أسماء المعطِّلين تبدّلت، والإنقسام العامودي بين مؤيّدين ومخالفين لمشروع الحريري، الذي تحوّل إلى مشروع وطن بعد استشهاده، وأعاد الإنقسام إلى الساحة الداخلية، عامودياً بشكل غير مسبوق بين 14 و8 آذار، والذي عطَّل بدوره مختلف مرافق الدولة، من إستحقاقات دستورية إلى مشاريع إقتصادية وسياحية.. وصولاً إلى جوهر الديمقراطية والحياة السياسية السليمة التي ميّزت لبنان عن سائر دول الشرق الأوسط، فهُجِّرت القيادات والشخصيات تحت وطأة التهديدات الأمنية، وتمّ إفراغ المنافسة السياسية المشروعة بين الأحزاب من مضمونها، كما تمّ تقويض مؤسسات الدولة وتسييس قراراتها، مهما قلّ شأنها، وترسّخ السلاح غير الشرعي، وخرج عن إطار مقاومة العدو الصهيوني في الجنوب، ليتورّط داخل أزقة بيروت تارة، وينخرط في حرب النظام في سوريا، ضد ما بدأ كثورة وطنية، وتشعّب فيما بعد مستقطباً جماعات هجينة من المسلمين عامة، وأهل السنّة، بشكل خاص، مما بات يهدّد المنطقة برمّتها بفتنة طائفية إذا ما اشتعلت فسوف تأكل نيرانها الأخضر واليابس.

عشرة أعوام مضت لم تشهد يوماً حلواً على من آمن بلبنان وطناً نهائياً له، فتهجّرت الأدمغة التي استثمرت مؤسسة رفيق الحريري الملايين لتخريج أربعين ألف مشروع مستقبلي واعد لبناء دولة المؤسسات، من كل الأطياف والمذاهب، ثم لحق بهم الجيل الذي آمن بـ 14 آذار كنقطة تحوّل لا عودة عنها، للمّ شمل من فرّقتهم السياسة تحت راية الوطن للجميع، ولا راية غيرها، فسُرعان ما اكتشفوا أن اليوم التاريخي سيبقى ذكرى جميلة لحُلُمْ لم يُكتب له أن يتحقّق، يخبرونه لأولادهم وأحفادهم وتنتهي القصة عند النوم!

عشرة أعوام مضت، ولم تفشل الطبقة السياسية في بناء مؤسسات الدولة فحسب، بل تركت الفساد ينخر بنيتها، حتى باتت عُرضة للإنهيار في أية لحظة، وتحوّلت المشاريع الإنمائية لصفقات تتمّ بالتراضي بعيداً عن آلية التلزيم الشفّافة، فانقلبت المرافق الحيوية التي حارب الرئيس الشهيد ليُنجزها، وتلقى السهام الجارحة بسببها من مطار إلى مرفأ، إلى مغارات علي بابا، ولا حسيب ولا رقيب.

أما المؤسسات الإجتماعية والتي كانت الأعزّ على قلبه، فكانت أول من دفع ثمن الأزمة الإقتصادية الناتجة عن سياسات الكيدية، والإنفلات الأمني الذي حوّل البلاد إلى ساحة مفتوحة على كل الإحتمالات!

وأما سياسات التعطيل المتّبعة فضربت أول ما ضربت الإقتصاد بتغييب موازناته، واستفحال الهدر والفساد وإفراغ المؤسسات من المراكز الحسّاسة، كون التوافق عليها شبه مستحيل، فكان التعطيل الأكبر والأكثر كارثية هو بقاء الكرسي الرئاسي شاغراً لما يزيد عن الثمانية أشهر، فانسحب المثال على كافة المواقع، مع نجاح بعض الصفقات هنا وهناك في القيام بعدد من التعيينات!

لم يبقَ من حُلُمْ رفيق الحريري سوى حفنة من المؤمنين برؤياه، المتمسّكين بحبال الأمل الواهية على أمل أن تتحقق يوماً، الرافضين للخضوع لواقع أكثر من مرير، ثبّت الشعور باليتم يوم تمّ الإغتيال، حيث فقد اللبنانيون، بمختلف مشاربهم، ذلك الشعور بالأمان الذي عاشوا أحلى أيامه، لأن رفيق الحريري موجود وقادر على استيلاد الحلول من رحم أصعب المحن!

أجل لقد حقّق الإغتيال غايته، بترك لبنان ساحة مفتوحة أمام الرياح العاتية الضاربة من كل حدب وصوب في المنطقة، وشعبه أسير الأجندات المفروضة عليه، والأولويات الإقليمية.. فترى فئة تشعر أنها مهمّشة، وطائفة ترى أنها مستهدفة، دون أن تطرح حلول جدّية للخروج من دوامة العجز التي أقحمت الطبقة السياسية البلاد والعباد فيها.

عشر سنوات عجاف كانت الأصعب على جمهور رفيق الحريري، ولكن التاريخ كما أنصف رجلاً قدّم حياته قرباناً لنهضة وطنه، هو نفسه سوف يُحاكم كل من سوّلت له نفسه جرّ الوطن إلى مذبح المصالح الخاصة، والأجندات الخارجية، متطاولاً على الدولة ومؤسساتها.. لأنه في آخر المطاف «لا أحد أكبر من وطنه»!