طغى غبار معركة القانون الانتخابي العتيد على ما عداه من ملفات ساخنة، بينها القانون الأميركي لمحاصرة حزب الله ماليا، والذي قد ينعكس بشكل خطير على الوضعين المالي والاقتصادي، بالاضافة الى مخاطر الصدام الذي جرى تحاشيه في اللحظات الأخيرة عندما صدر قانون العقوبات الأميركي في طبعته الاولى. فهل تكون الطبعة الثانية قاضية، ام هناك منافذ للتملّص من أخطارها؟
في جلسة مجلس الوزراء التي أثير فيها موضوع القانون الأميركي الجديد، والذي يُعتبر بمثابة امتداد للقانون القائم، مع إدخال تعديلات تتيح توسيع نطاق تطبيقه، اتفق الوزراء على تأجيل البحث في هذا الملف بانتظار صدور القانون بطبعته الثانية، وعلى أساس مضمونه يتمّ وضع خطة التحرّك في اتجاه تعطيل ألغامه.
هذا التوافق جرى بناء على أمرين:
اولا- ان التحرّك المُسبق غير مُتاح لأن لا معلومات دقيقة يمكن أن يحملها معه أي وفد يجري تشكيله، للسفر الى الولايات المتحدة الاميركية لمقابلة المسؤولين هناك. بالاضافة الى ذلك، فان دائرة الشرق الاوسط في الادارة الاميركية لا تزال غير ثابتة في تركيبتها، ويُستحسن الانتظار الى حين ثباتها، لضمان عدم هدر المجهود مع أشخاص اما قد يتغيرون، أو لا يؤثرون فعليا في القرار.
ثانيا- ان صدور القانون يتيح التفاوض على نصّ موجود، ويسمح بالدخول في التفاصيل الدقيقة، على عكس التفاوض قبل صدور أي نص. اذ، لا شيء يؤكد ان النصّ الذي سيصدر سيكون خطيرا كما تروّج بعض المصادر في الداخل والخارج.
هذه التبريرات التي اقتنع بها مجلس الوزراء لكي يؤجّل التحرّك الرسمي الى ما بعد صدور القانون الجديد، تتناقض والاجواء القائمة في المصارف اللبنانية، والتي تستطيع أن تستشعر الخطر قبل السلطات السياسية، لأنها على تماس مع المصارف المراسلة أولاً، ولأنها على تواصُل مع الدوائر الأميركية المختصة، ولأن لديها صداقات كوّنتها طوال سنوات مع أشخاص في مواقع حسّاسة في الادارة الأميركية التي تتولّى عملية هندسة القوانين المالية.
في الاجتماع الأخير الذي عقدته جمعية المصارف اللبنانية مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أُثير هذا الموضوع. واتفق المجتمعون على وجود خطر حقيقي على اعتبار ان «الادارة الاميركية السابقة كانت تضغط على الكونغرس لعدم التوسّع في العقوبات بعكس الادارة الحالية التي تضغط باتجاه توسيع العقوبات وتشدّدها بما يجعل التدخّل لتعديلها أو الغائها أصعب بكثير. وقد يتطلب اتصالات على اعلى المستويات وربما في أسرع وقت ممكن كي لا نتفاجأ في كل مرة!»
وكشف أحد نواب حاكم مصرف لبنان العائد حديثاً من الولايات المتحدة أن الموضوع خطير ومن المحتمل أن يصدر القانون مطلع شهر ايار. ومن هنا لزوم اجراء الاتصالات على أعلى المستويات. وتم التوافق على ضرورة متابعة الموضوع بجدية وحذر من قبل الحكومة ومجلس النواب والمصارف لدرء ما أمكن من المخاطر عن البلد.
في هذا الاطار، يبدو ان انتظار صدور القوانين لكي يُبنى على الشيء مقتضاه، فيه الكثير من التباطؤ غير المبرّر. والكل يعرف ان القانون بطبعته الاولى كان سيصدر بشكل معادٍ للبنان، لولا التدخلات المسبقة من قبل لبنانيين على علاقة جيدة مع الاميركيين ومن قبل أميركيين من أصل لبناني أخذوا على عاتقهم مسألة حماية لبنان ونظامه المصرفي من تبعات أي قانون يستهدف محاصرة حزب الله مالياً.
اليوم، المطروح أخطر، وهو لن يلامس بيئة حزب الله فحسب، بل سيمتد الى البيئات الداعمة أو المتعاطفة، بحيث تحتل شخصيات او مؤسسات تابعة لحركة «أمل» الصدارة، تليها الشخصيات او المؤسسات المتعاونة مع الحزب، بما فيها المسيحية منها. وبالتالي، الهدف لم يتغيّر عن القانون الاول، وهو خلق مناخ معادٍ للحزب في البيئة اللبنانية المتعاطفة معه، بالاضافة طبعا الى جمهوره المباشر.
هل يمكن الافلات من «براثن» القانون الجديد المنتظر؟
هناك لائحة من الاجراءات مطلوبة حالياً، منها:
1- إقرار مبدأ التحرّك المسبق في الحكومة، وعدم انتظار صدور القانون. مع الاشارة الى ان مهمة الوفد النيابي الموجود في واشنطن قد تساعد في هذا الاتجاه، خصوصا بعد انضمام مبعوثين من مصرف لبنان ووزارة المالية).
2- عدم الاقدام على أي خطوة غير محسوبة في موقع حاكمية مصرف لبنان، والاعتماد على رياض سلامة ليقوم بواجبه كما فعل في المرة السابقة.
3- وقف الحملات المبرمجة الطائشة على المصارف التي تعاني من ضغوطات كثيرة، ويستند اليها الاقتصاد الوطني للصمود في هذه الحقبة.
4- الاستعانة بمكتب محاماة دولي لارشاد السلطات على الطرق القانونية لمقاربة الملف. بالاضافة الى الاسلوب الدبلوماسي المطلوب، خصوصا ان لبنان يتمتع حتى اللحظة بمظلة حماية دولية، وهو يحتاج الى التركيز على هذه النقطة لدفع الولايات المتحدة الى تجنّب أي اجراء يمكن ان يضرب الاقتصاد اللبناني ويدفعه الى الانهيار.
مع الاشارة هنا الى ان حسابات حزب الله ستكون مختلفة هذه المرة، وقدرته على توجيه رسائل حازمة، كما فعل في المرة الاولى، قد تكون اضمحلت في هذه الحقبة، من دون إهمال مبدأ ان محاصرة الحزب قد تدفعه الى اعتماد مبدأ «عليّ وعلى اعدائي».