لا يمكن قياس نتائج الاتفاق المبرم بين ايران ومجموعة الدول الخمس زائداً واحداً من منظار ما هو مكتوب على الصفحات الـ158 فقط والتي تحدّ من القدرات النووية للجمهوية الاسلامية، لأنّ المسألة أعمق من هذا الاعتبار، كونها تتصل بالحضور الاقليمي لطهران، سواء أُعْلِن هذا الأمر في فيينا أو لم يعلن.
يؤكد استاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية هلال خشان أنّ الصراع العابر للقارات الذي وضع طهران وواشنطن على طرفَيْ نقيض، لا يرتبط فقط بالطموحات النووية لايران، لأنّ الأخيرة لم تكن تعمل لتحصل على القنبلة «المحظورة»، وانما كانت تسعى لاستثمار هذا التطور التكنولوجي في السياسة، لا أكثر. وهذا ما حققته.
وكل ما كانت الإدارة الأميركية تحاول فعله خلال السنوات الأخيرة، هو تطويق التمدد الايراني والصعود السياسي في الشرق الأوسط، بينما حاولت طهران، وفي أكثر من محطة، اقناع الأميركيين بأنّه لا تضارب بين مصالحهما في المنطقة.. الى أن حصل ذلك.
إنّ أبرز ما لم يكتب في الاتفاق النووي، هو الاعتراف بايران كدولة اقليمية لها دورها وحضورها، وانتقالها من تصنيف «العدوة» وفق الجدول الأميركي، الى تصنيف «الشريكة المحتملة». لن يؤدي ذلك بالضرورة الى تحولهما الى حليفَيْن، ولكن بامكانهما التعاون في أكثر من مجال.
يعتبر خشان أنّ واشنطن اقتنعت بعد سلسلة تجارب أنّ طهران دولة موزونة في أدائها وقادرة على الالتزام بسياساتها، ولا تشوبها تهمة التطرف، على عكس تركيا على سبيل المثال التي تتخبط بسياساتها، ما يثير الريبة في اذهان حلفائها. ولعل هذا ما شجع الادارة الأميركية على كسر القيود الاقتصادية من حول ايران بعدما صارت القناعة ثابتة أنها عنصر مساعد على الاستقرار وليس العكس.
وطالما أنّه ليس هناك من خلاف جذري حول قضايا المنطقة، وقد تكون هناك اختلافات تفصيلية، فإن امكانية التفاهم صارت واردة، بعدما شرعنت واشنطن الدور الإقليمي لايران.
أما التحدي الأساسي بالنسبة لايران ففي داخلها، وليس خارج حدودها. فهي في حاجة الى الغرب والى جيرانها الخليجيين لتطوير صناعاتها وبناها التحتية، مع أن التعاون مع بعض دول الخليج قائم، وهي ستسعى للعب الدور المتعاون مع الجيران.
بنظر خشان، العقدة ليست هنا، لا بل في ملف العلاقة بين طهران والرياض، فالأخيرة ترفض الاعتراف بما حققته طهران، كدولة محورية تمتد أذرعها الى الحديقة الخلفية للسعودية، وتسعى الى أن توقف هذا التوسع، لكنها بالطبع عاجزة عن ارجاع عقارب الساعة الى الوراء.
ويستعرض خشان مناطق الاشتباك الايراني – السعودي على الشكل الآتي:
– في اليمن، تعجز الرياض عن وقف تعاون الحوثيين مع طهران، وفي الوقت نفسه يخذلها حلفاؤها اليمنيون. في المقابل، فإن واشنطن لم تكن راضية عن «عاصفة الحزم»، لكنها طبعاً لم تقف بوجهها.
– في العراق، ثمة تعايش اميركي – ايراني تحده الخطوط الحمر، وثمة توافق واضح على محاربة «داعش» وكل التنظيمات الشبيهة.
– في سوريا، يعاد رسم الحدود والتحوّل الى دولة لامركزية، وثمة تقاطع في رفض التنظيمات الارهابية ورفض اشراكها في قوى المعارضة المعترف بها من الدول الغربية.
ولهذا، قد تسعى الرياض الى تقليص النفوذ الايراني في المنطقة، و «حزب الله» من ضمن هذه المخططات، لأنها عاجزة عن تقبل هذا الواقع. وبالتالي، ثمة خشية جدية من ردّ سعودي في مناطق الاشتباك للحدّ من هذا الدور.
بالنتيجة، فإنّ المنطقة، وفق خشان، هي في خضم تحوّلات إقليمية مهمة، وقد لا تأخذ مداها في وقت قريب، لكنها حتماً ستفرض الكثير من المتغيرات.