بقليلٍ من الآمال ينتظر اللبنانيون زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لبيروت نهاية الأسبوع المقبل، فيما يسعى السفير الفرنسي ايمانويل بون الى وضع تقرير، هو الأوسع والأشمل، منذ تولّيه مهماته في بيروت تحضيراً للزيارة. فما الذي يُعدّ له بون؟
باشر بون منذ أيام جولته على القيادات الرسمية والسياسية والحزبية استعداداً لزيارة هولاند لبيروت والتي حُدّدت رسمياً في 16 الجاري، وليوم واحد قبل أن ينتقل الى الأردن في إطار جولته العربية التي ستقوده لاحقاً الى القاهرة.
وتبيّن حتى الآن أنّ بون يوجّه الى من يزورهم مجموعة من الأسئلة مستكشفاً المواقف اللبنانية من زيارة هولاند للبنان وما يريده اللبنانيون وما يأملونه منها، وذلك بعد مقدمة قصيرة يفتتح بها لقاءاته معرّفاً بالزيارة وما يحمله الرئيس الفرنسي من حرص على أمن لبنان وسيادته واستقراره على رغم الجوّ الإقليمي المتفجّر المحيط به، بالإضافة الى الدعم الفرنسي «المطلق واللا محدود» للقوى الأمنية والعسكرية تحديداً، وسعيه الدائم ومنذ عامين ونصف العام دافعاً في اتجاه انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية.
ويعرض بون للذين يلتقيهم المحاولات التي قادها هولاند قبل الشغور الرئاسي وبعده على خط باريس – واشنطن – بيروت – طهران ـ الرياض والعواصم المؤثّرة في هذا الملف، بما فيها الفاتيكان، الذي بنى بالتفاهم معه أولى المبادرات التي قادَها موفده الى المنطقة فرنسوا جيرو بعد بون نفسه الذي كان يلعب الدور عينه قبل تسميته سفيراً لبلاده في بيروت منذ عام تقريباً خلفاً لباتريس باولي بعدما كان الشغور قد حلّ في قصر بعبدا لسنة تقريباً.
وبعد مقدّمته شبه الثابتة وتأكيده أنّ هولاند كان يرغب في زيارة قصر بعبدا قبل أيّ موقع رسمي آخر، يبدأ بون طرحَ الأسئلة التي أعدّها بالتشاور مع الإدارة المركزية لوزارة الخارجية الفرنسية بغية ترتيب ملفات الزيارة وجدول أعمالها. وهي تتركز على مجموعة من العناوين السياسية والعسكرية والإقتصادية والديبلوماسية ومنها:
– ماذا يمكن فرنسا أن تقدم للبنان وما الذي ينتظره اللبنانيون من زيارة هولاند؟
– كيف يمكن فرنسا أن تساعد اللبنانيين على إتمام الإستحقاق الرئاسي في اسرع وقت ممكن لبلوغ مرحلة متقدّمة تُحصّن الإستقرار السياسي والأمني في لبنان وتعزّزه على رغم كلّ ما يجري في محيطه؟
– ما هو المطلوب من فرنسا لمساعدة لبنان على تجاوز أزمة النازحين واللاجئين السوريين والفلسطينيين الذين زادت الحرب السورية من أعدادهم الى ما لا يمكن أن يتحمّله بلد بحجم لبنان وقدراته على كلّ المستويات.
– كيف يمكن فرنسا أن تساعد لبنان على إستعادة المساعدات العسكرية التي فقدها بفعل تجميد الهبة العسكرية السعودية على رغم الجهود الفرنسية التي لم تنجح سوى في إستمرار الصفقة واستكمال تصنيع ما إختاره الجيش اللبناني من أسلحة فرنسية تعزيزاً لأسلحته المختلفة في البر والبحر والجو.
– كيف ينظر اللبنانيون الى الأزمة السورية ورؤيتهم للخطوات التي يمكن ان تقوم بها فرنسا خصوصاً والحلف الدولي لتغليب الحلول السياسية على العسكرية منها وحسم المأساة السورية؟
الى هذه الأسئلة الموحّدة التي أجمَع معظم مَن زارهم بون على أنها تهدف إلى تكوين صورة واضحة وشاملة لهولاند تسمح له بالاستفادة من لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، وهو لم ينقطع الى الأمس القريب عن لقاء معظمهم عدا عن متابعته اليومية للتطورات في لبنان والمنطقة. ولم يتأخر بون في إبداء مجموعة من الملاحظات الشخصية، وهو الخبير في شؤون لبنان والشرق الأوسط.
فالقادة اللبنانيون ينظرون الى بون على أنه ليس غريباً عن أجواء لبنان والمنطقة، وتاريخه الديبلوماسي والبحثي، عدا عن الأكاديمي، يدلّ على ذلك. فهو امضى عقداً في اسطنبول حيث عمل استاذاً محاضراً في جامعة مرمرة، وأمضى سنوات في لبنان باحثاً، ونفّذ مهمات ديبلوماسية عدة بين لبنان سوريا والأردن واليمن، قبل أن يُعيّن في إيران ليصبح المسؤول عن الملف النووي الإيراني في السفارة الفرنسية في طهران، وبعدها الى الرياض حيث شغل منصب الرجل الثاني في سفارة بلاده.
ثمّ انتقل ليكون مستشاراً سياسياً لدى البعثة الفرنسية في نيويورك وواكب القرارات التي اتُخذت في شأن سوريا وليبيا قبل أن يتسلّم ملفي إيران والعراق في الخارجية الفرنسية، وهو مَن واكب الملف النووي الإيراني في المرحلة الأولى من المفاوضات وتعقب تنفيذ العقوبات التي فرضت عليها قبل إتفاق فيينا بينها وبين مجموعة (5 + 1).
وبناءً على ما تقدم، لا بدّ من الإشارة الى أنّ بون أمهل نفسه الى مطلع الأسبوع المقبل لرفع تقريره الى الخارجية الفرنسية، بعدما أجرى أوسع مروحة من الإتصالات المعلنة وغير المعلنة، ولعلّ أهمّها اللقاء الذي جمعه برئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد. فبون هو صاحب القول «إنّ علاقتنا مع «حزب الله» مباشرة والتواصل معه قائم ولا نعدّه منظمة إرهابية».
لكننا كـ«أوروبيين اعتبرنا أنّ جناحه العسكري إرهابي وهناك أسباب دفعتنا الى اتخاذ هذا القرار». وهو ما دفع الى الإعتقاد بأنَّ زيارة هولاند لبيروت لا تحمل أيّ إشارات سلبية الى أيّ طرف لبناني، أما بالنسبة الى النتائج فإنها ستُقاس حتماً بحجم الدور الفرنسي في المنطقة على مساحة تتحرّك فيها كلّ القوى الدولية التي تستقطبها موسكو وواشنطن.