“ما الفائدة من التحاور المباشر مع الرئيس بشار الأسد ومحاولة التفاهم معه وما المصلحة في ذلك؟ وهل تحقق استراتيجية الانفتاح على الأسد مصالح الدول الغربية والعربية والإقليمية المعادية له، وهل تساعد على وقف الحرب وإحلال الأمن والاستقرار في سوريا وإنقاذ شعبها من مأساته الفظيعة غير المسبوقة؟ وهل تعزز هذه الاستراتيجية فرص الانتصار على تنظيم “داعش” والحاق الهزيمة بالقوى الإرهابية؟ وهل تؤدي الى القضاء على بؤرة الخطر التي تشكلها الأزمة السورية وتساهم في ضمان الأمن والسلم الإقليميين؟”، هذه الأسئلة طرحها في جلسة خاصة في باريس مسؤول غربي بارز معني بالملف السوري رغبة منه في مناقشة مواقف أفراد محدودين في فرنسا وبعض الدول الغربية ليس لهم أي تأثير على صنع القرارات في دولهم من أجل الرد عليها بموضوعية “إستناداً الى الوقائع والحقائق وليس الى التمنيات والأوهام” على حد قوله. وشدد المسؤول الغربي على ان استراتيجية الانفتاح على الأسد خاطئة كلياً ومرفوضة بحزم لدى كل الدول المعنية ولن تحقق أي نتائج إيجابية للسوريين بل انها ستؤدي الى إطالة الحرب ومضاعفة الكوارث، وهذا مرده الى العوامل الأساسية الآتية:
أولاً – قرارات الأسد وأعماله وتصرفاته منذ بدء الأزمة وحتى الآن تمنع أي انفتاح عليه لأنه هو الذي فجر الحرب على شعبه المحتج المسالم في الأشهر الأولى للثورة وعمد الى تصعيد عمليات القتال مستخدماً كل أنواع الأسلحة وصولاً الى شن آلاف الغارات الجوية بالصواريخ والبراميل المتفجرة على مواطنيه الأمر الذي لم يفعله أي حاكم عربي آخر. والانفتاح على الأسد يعني إعطاء شرعية دولية – إقليمية لأعمال القتل والتدمير والتخريب الواسعة النطاق التي نفذها النظام وأدت الى مقتل أكثر من 250 ألف سوري وجرح مليون وتشريد أكثر من 12 مليون مواطن في الداخل والخارج.
ثانياً – يرى الأسد انه هو على حق وشعبه المحتج على خطأ وهو يرفض الاعتراف بوجود مطالب وحقوق مشروعة لهذا الشعب ويصف المعارضين بأنهم إرهابيون ويتمسك بمواصلة القتال حتى النهاية على رغم ان البلد يتفكك ويتفتت ويواجه كوارث حقيقية إنسانية وإقتصادية ومعيشية ومالية وأمنية تهدد وجوده، وعلى رغم انه “عاد أربعين سنة الى الوراء ويحتاج الى أربعين سنة إضافية من أجل إعادة بنائه” إستناداً الى ما قاله المبعوث الأممي ستيفان دو ميستورا.
ثالثاً – ليس ممكناً وقف الحرب وحل الأزمة في سوريا من طريق التعاون مع الأسد لأنه يرى ان الحل السياسي يتطلب رضوخ المعارضين والدول الداعمة لهم لشروطه ومطالبه من أجل ضمان بقائه في الحكم والحفاظ على نظامه. ويرفض الأسد شروط المجتمع الدولي لإنجاز الحل السياسي وهي تنفيذ بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 والذي تبناه بالإجماع مجلس الأمن وأيدته كل الدول المعنية باستثناء إيران. ويدعو بيان جنيف الى نقل السلطة الى نظام جديد ديموقراطي تعددي من طريق تشكيل هيئة حكم إنتقالي تضم ممثلين للنظام والمعارضة وتمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتخضع لها كل أجهزة الدولة ومؤسساتها وتشرف على قيام النظام الجديد. وعلى هذا الأساس تتمسك كل الدول الغربية والإقليمية المؤيدة للمعارضة بضرورة رحيل الأسد وتؤيد التفاوض بين ممثلي النظام والمعارضة من أجل تطبيق بيان جنيف. وقد شهدت جنيف جولتي مفاوضات مطلع 2014 أكد فيهما ممثلو النظام رفض تشكيل هيئة الحكم الإنتقالي مع المعارضة.
رابعاً – ليس ممكناً التعاون مع الأسد في مجال مكافحة الإرهاب لأن هذا يعني التعاون معه في حربه على السوريين. والأسد هو المسؤول الأول عن انتشار الإرهابيين في سوريا لأن حربه أغرقت البلد في الفوضى ولأنه امتنع عن قصف مواقع “داعش” فترة طويلة وسمح له بمحاربة المعارضين المعتدلين، كما ان الإتحاد الأوروبي أتهمه أخيراً بشراء النفط من هذا التنظيم.
خامساً – الأسد خسر الحرب إذ انه عاجز عن فرض سيطرته مجدداً على سوريا ولن يستطيع بعد كل ما فعله توحيد شعبه وتحقيق السلام وحكم البلد وإعادة بنائه واعماره. إذ يقول الخبراء الدوليون إن إعادة البناء تتطلب موازنة تتجاوز 400 مليار دولار، والنظام ليس قادراً على تأمين الخبز والمواد الأولية الأساسية لمواطنيه بأسعار معقولة. وليست ثمة دولة واحدة غربية أو عربية مستعدة لتقديم أي دعم لإعادة إعمار سوريا قبل رحيل الأسد وقيام نظام جديد.
وخلص المسؤول الغربي الى القول: “استراتيجية الانفتاح على الأسد ليست واقعية أو حكيمة ولن تحقق أي مكاسب للسوريين وللدول المعنية بالأمر بل انها استراتيجية خاسرة وخطرة لأنها تتناقض مع متطلبات إنهاء الحرب وإنجاز حل سياسي حقيقي شامل للأزمة وإنقاذ سوريا وشعبها. وعلى هذا الأساس ترفض أميركا والدول الغربية والعربية الإقليمية الحليفة لها هذه الاستراتيجية، ويردد المسؤولون الأميركيون وحلفاؤهم أن “الصفقة الوحيدة التي يمكن عقدها مع الأسد هي صفقة رحيله عن السلطة”.