تجمع المعلومات المستقاة من التقارير الدبلوماسية والاستخباراتية، كما مما يسمعه المسؤولون اللبنانيون من نظرائهم الدوليون، ان كارثة اللاجئين السوريين التي سببتها الحرب السورية الممتدة، مرشحة الى التفاعل مستقبلا، مع تخطيها الخطوط الحمر، ودخول تداعياتها منطقة الخطر، بخاصة في دول القارة العجوز، وردات الفعل التي تسببت بها على الواقع السياسي، وان لم تظهر العوارض بشكل واضح، نتيجة اللعبة الاعلامية التي بينت الوجه الانساني والنكبات التي يعانيها هؤلاء الهاربون بحثا عن ملاذ آمن، بعدما ضاقت بهم السبل في دول الجوار.
وفي هذا الاطار تعترف مصادر دبلوماسية غربية في بيروت ان المقاربة الخاطئة لملف الازمة السورية تحديدا، والتخبط الذي ساد الموقف الاميركي طوال السنوات الثلاث الماضية، والضغوط التي مارستها واشنطن تجاه دول الاتحاد الاوروبي، لمنعها من التحرك، أدت دورا اساسيا في وصول الامور الى ما وصلت اليه، خاصة ان كل التقارير الموجودة لدى تلك الدول تحدثت بصراحة عن ان اوروبا ستكون المتضرر الاول من الاحداث على المديين المتوسط والطويل.
فبداية كانت موجات الارهاب التي ضربت الساحات الاوروبية، من باريس الى مدريد وما خلفته من ردات فعل وتقدم للاحزاب اليمينية وافكارها، واليوم ازمة اللاجئين المرتبطة عضويا بالمشكلة الاولى، خاصة ان المتابعة الميدانية لخط سير اللاجئين توحي بوجود «قطبة مخفية» ما، على حدّ قول المصادر الديبلوماسية، تخفي وراءها الكثير من الاسرار والعمل المخابراتي المتقن، بحسب المصادر نفسها، التي تتساءل عن سبب توجه موجات اللاجئين باتجاه الوسط الاوروبي وبالتحديد بعض الدول ذات الغالبية الاسلامية.
واذا كان لبنان حتى الساعة بعيداً بشكل او بآخر عن اعتباره نقطة اطلاق للمهاجرين، فان المسؤولين الغربيين بدأوا يدقون ناقوس الخطر محذرين من ان الاشهر المقبلة ستحول الشواطئ اللبنانية الى قاعدة انطلاق لهؤلاء الهاربين، وهو ما قد يشكل خطرا مضاعفا، ذلك ان الحدود اللبنانية غير مضبوطة ما قد يسمح بتسلل المئات من الاشخاص الخطرين بسهولة.
وتشير مصادر لبنانية مطلعة في هذا المجال، الى ان الزيارات الدولية الى بيروت والتي تشكل مسألة اللاجئين البند الابرز على جدول اعمالها، لن تكون كافية لدرء الخطر الآتي من الجهة اللبنانية، ذلك ان حجم الكتلة السورية الموزعة على المساحة اللبنانية تخطت ثلث الشعب اللبناني، بحسب اعتراف رئيس الحكومة تمام سلام من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة، حيث لن تكفي في تلك الحالة وفي ظل الظروف الحالية التي تمر بها الدولة اللبنانية من اوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية ضاغطة في سد العجز مهما ارتفعت نسبة المساعدات المالية والمساهمات المخصصة لبيروت.
وفي جديد هذه المساعدات بعد تلك البريطانية وما ينتظر ان يحصل عليه لبنان من برامج الامم المتحدة ومؤتمر اصدقاء لبنان، حصل لبنان على أكثر من 75.5 مليون دولار، من حوالى 419 مليون دولار أميركي من المساعدات الإضافية للمتضررين من الحرب في سوريا، وهي أكبر حصة تعود إلى أي بلد في المنطقة. مساهمة سترفع المساهمة الإنسانية الإجمالية للولايات المتحدة لدعم المجتمعات المحلية اللبنانية المضيفة واللاجئين من سوريا في لبنان إلى ما يقارب 965 مليون دولارمنذ العام 2012. وتقدر الأمم المتحدة أن لدى لبنان أعلى نسبة من الأفراد اللاجئين بين الدول المضيفة في العالم، مع أكثر من مليون لاجئ سوري، بالإضافة إلى 45,000 لاجئ فلسطيني من سوريا. ويزيد الإعلان الدعم لكل من المجتمعات المضيفة اللبنانية واللاجئين من سوريا. ومع التمويل الإضافي ستتمكن منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الشريكة في لبنان من الاستمرار في توفير المساعدة من حيث المأوى، والتعليم، والرعاية الصحية، والمساعدات النقدية لتلبية الاحتياجات الطارئة، ومواد الإغاثة الأساسية مثل البطانيات وأجهزة التدفئة، ومستلزمات النظافة. كما تستخدم الأمم المتحدة بطاقات إلكترونية فعالة لتوزيع المساعدات والوصول إلى عدد أكبر من المحتاجين. والتمويل الجديد للمنظمات غير الحكومية سيعزز المأوى والصحة والتعليم، وخدمات الحماية لكل من اللاجئين واللبنانيين. ودعم الولايات المتحدة الإضافي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) في لبنان سيوفر مساعدات ملحة، بما في ذلك النقد، وإمدادات الإغاثة، والتعليم، والرعاية الطبية، للاجئين الفلسطينيين من سوريا في المخيمات والمجتمعات الأخرى. كما سيدعم تمويل الولايات المتحدة الإضافي المجتمعات اللبنانية التي تستضيف اللاجئين من خلال إعادة تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي البلدية، ودعم مراكز المجتمع المحلي وتوفير إمدادات ومعدات جديدة لعيادات الصحية، وتحسين المنشآت المدرسية.
من هنا تلفت المصادر الدبلوماسية الى ان الخطة التي وضعها حلف شمال الاطلسي بناء لطلب الدول الاوروبية تشهد حاليا مراجعة من قبل القيادات العسكرية، فضلا عن مشاورات داخل اروقة مجلس الامن تتركز حول امكانية مساعدة القوة البحرية التابعة للقوات الدولية المعززة في لبنان «اليونيفيل»، وما يمكن ان تقدمه من مساعدة لضبط المياه اللبنانية، من جهة، كذلك من جهة اخرى ضرورة اشراك الاجهزة اللبنانية المعنية في الخطط الدولية الموضوعة لهذه الغاية، اذ يجري الحديث عن ضرورة تسريع تسليم بعض المعدات الضرورية في هذا المجال والمخصصة للرصد والمتابعة، من قوارب بحرية ورادارات وطائرات.
وتكشف التقارير ان غالبية المغادرين عبر لبنان حتى الساعة يجري تهريبهم نحو تركيا. وفي هذا الإطار، أكدت مصادر امنية لبنانية أن نسبة مغادرة السوريين من طرابلس إلى تركيا فاليونان، حيث تستلمهم شبكات مختصة بايصالهم الى بلغاريا ومقدونا وألبانيا ومنها الى البوسنة وكرواتيا والمجر ومن بعدها إلى ألمانيا وغيرها من البلدان، هي بارتفاع مستمر، حيث يكاد لا يمر يوم دون ان يوقف الجيش شبكة لتهريب اللاجئين بطريقة غير شرعية، حيث بينت التحقيقات ان ثمن المقعد على «مراكب الموت» تلك، وصل الى 2000 دولار أميركي، والاخطر أن بعض اللبنانيين سافروا إلى اليونان بشكل شرعي واحرقوا اوراقهم هناك، وادعوا بأنهم سوريون واتجهوا نحو المجر ومنها إلى دول اروبية أخرى للاستقرار.
كل المعطيات المتوافرة تشير الى ان ملف اللجوء مؤهل لتأدية دور حاسم في نتائج الصراع السوري، كما في امكانية التغيير الديموغرافي لوجه العديد من الدول. فهل يفلت لبنان وتلعب الظروف الصعبة التي يعاني منها لمصلحته هذه المرة من خلال انفجار ازمة اللاجئين باتجاه الخارج؟ ام ان ما يجري محاولات للتعمية على مشروع توطين جديد حذرت منه بعض القيادات السياسية رامية كرة النار في حضن بكركي؟