إشكالات دستورية بربط الرئاسة الأولى بالسلطة الإجرائية
ما الفارق بين حكومة العهد وحكومة الحريري؟
بعد زيارة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عين التينة، زاد التفاؤل بإمكان تشكيل الحكومة قبل الاستقلال. لا يُطرح ذلك في إطار التحليل، لكن سبق للرئيس نبيه بري أن قال «عندما ترون الحريري عندي فهذا يعني أنّ الدخان الأبيض للحكومة بدأ يتصاعد».
ثمة حرص على تسريع «تشكيل حكومة العهد الأولى»، حتى لا تفقد انطلاقة العهد الرئاسي زخمها، وحتى يستطيع رئيس الجمهورية العمل على تنفيذ ما ورد في خطاب القسم.
في المقابل، ثمة من يرفض بشدة مبدأ ربط الحكومة بالعهد أو بالرئاسة. أكثر المتحفظين على هذا الربط هو نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، الذي يقول ببساطة: هذه ليست حكومة العهد الأولى بل حكومة الحريري الثانية. بين التسميتين، «جبال من الاختلافات الدستورية»، التي يرفض الفرزلي تثبيتها كعرف أو كأمر واقع، سواء في السياسة أو حتى في الثقافة الشعبية.
ينطلق هذا الموقف من اعتبار أن تشكيل الحكومة هو مسؤولية رئيسها فقط، الذي عليه أن يهتدي في عمله بالاستشارات النيابية التي يجريها مع الكتل النيابية. وعليه، فإن أي فشل أو تأخير في تشكيل الحكومة لا يفترض أن يتحمل تبعاته رئيس الجمهورية، أو أن يُعتبر بمثابة انطلاقة متعثرة للعهد الجديد. فرئيس الجمهورية لم يعد بعد الطائف كما كان قبله. وهو ليس رئيس السلطة الإجرائية الذي «يعين الوزراء ويسمي منهم رئيساً ويقيلهم ويولي الموظفين مناصب الدولة..»، كما كانت تشير المادة 53 من الدستور قبل تعديلها.
وفق الدستور الحالي، ليس رئيس الجمهورية رئيساً للسلطة الإجرائية بل سلطة مستقلة تتكامل وتتشارك مع باقي السلطات في إدارة شؤون البلاد من موقعه كحام للدستور. وعليه، لا يمكنه أن يتحمل مسؤولية أخطاء الآخرين. أضف إلى أن الدستور لحظ آلية لمحاسبة الحكومة ومساءلتها أمام المجلس النيابي، وصولاً إلى طرح الثقة بها، وهي آلية لا تشمل رئيس الجمهورية بطبيعة الحال.
صحيح أن تشكيل الحكومة يمكن أن يحتسب معنوياً لمصلحة العهد أو العكس، لكن ذلك يفترض في المقابل التمييز بين المسؤولية والشراكة والتعاون بين السلطات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، هل يتحمل رئيس الجمهورية مسؤولية فيضان الطرق في الأيام الأولى للشتاء أم الحكومة؟ وهل تطرح الثقة بالحكومة أم بالوزير المعني أم برئيس الجمهورية؟ ولو كان رئيس الجمهورية مسؤولاً بمقدار مسؤولية الحكومة، لم يكن الدستور ليحصر المحاسبة بالحكومة ويعتبر الرئيس رمز وحدة الوطن.
لكن كيف يمكن للرئيس أن يحمي نفسه وموقعه من الضرر الذي يمكن أن يلحق به إذا فشل رئيس الحكومة في تشكيل الحكومة، خصوصا أنه ليس مقيداً بهملة محددة؟
يقول الفرزلي إن الدستور أعطى رئيس الجمهورية حق مراسلة المجلس النيابي، وهذا الحق يمكن لرئيس الجمهورية الاستفادة منه للطلب من المجلس إعادة تسمية اسم رئيس جديد مكلف بتأليف الحكومة. فهو انطلاقاً من مسؤوليته الدستورية لا يمكن أن يبقى متفرجاً على أزمة دستورية تتمثل بعدم وجود سلطة إجرائية.
ووفق المنطق نفسه، لا يعطي توقيع رئيس الجمهورية له الحق بأن يشارك رئيس الحكومة المكلف باختيار التشكيلة، فهذه مسؤولية الرئيس المكلف وحده، أما الرئيس فيستمد تأثيره من خلال تمثيله للرأي العام اللبناني ومن الكتلة النيابية التي تشارك في الاستشارات. وهو ربما لذلك، قال أمام الهيئات الاقتصادية، عندما زارته للتهنئة إن الحكومة الأولى في عهده هي عملياً حكومة ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة، وليست الحالية التي يفترض أن تكون مهمتها الرئيسية إعداد قانون جديد للانتخابات وإجراء الانتخابات على أساسه. فيما يفترض أن تكون حكومة الانتخابات هي الحكومة الأولى التي تنتج من مجلس نيابي يضم تمثيلاً عادلاً لكل المكوّنات اللبنانية.
يسأل البعض: كيف يمكن تنفيذ الفصل بين السلطات إذا كان الرئيس جزءاً من السلطة الإجرائية؟ لتأتي الخلاصة أن الرئيس لا يمكن أن يتحمل مسؤولية لم ترد في الدستور، وبطبيعة الحال لا يمكن محاسبته على مسؤولية غير واردة في الدستور.
باختصار، يقول الفرزلي: إذا كانت الحكومة هي حكومة العهد وطرحت الثقة بها، فهل يسقط العهد؟