عندما لجأ عدد من الفلسطينيين إلى لبنان لم تهتم السلطات اللبنانية يومذاك بحجم عددهم، لأنها كانت تعتقد، كما غيرها من الدول المضيفة، أن هؤلاء عائدون إلى بلادهم ولا شك خلال وقت قصير، ولم تتوقع أن تكون هذه العودة طويلة. ولم تواجه السلطة اللبنانية يومذاك مشكلة إيواء هؤلاء اللاجئين لأن الخيم كانت جاهزة وكذلك الارض التي ستقام عليها في المناطق، ولا كان توفير الحاجات الضرورية لهم من مأكل ومشرب وتعليم وطبابة مشكلة لأن وكالة الغوث التي انشئت تولت تأمينها وليست الدولة اللبنانية التي تحملت فقط تأمين الطاقة والمياه والصرف الصحي وكانت قادرة على ذلك. والأهم من كل ذلك أن اللجوء الفلسطيني لم يؤثر على الوضع الأمني في البلاد ولا حتى على اليد العاملة اللبنانية لأن الاعمال التي كان يقوم بها الفلسطينيون اللاجئون لم يكن يقوم بها اللبنانيون. أما الأمن فكان مجرد دخول ضابط إلى المخيمات كافياً لمنع حصول أي شغب فيها، وكان ضبط عددهم يتمّ من خلال المفوضية العامة للاجئين والدوائر اللبنانية المختصة. ولو لم تكن وكالة غوث اللاجئين هي التي تهتم بأمورهم المعيشية والاستشفائية والتعليمية لما استطاع لبنان تحمّل كل هذه الاعباء لسنوات طويلة، لا بل كان يخشى أن تتوقف الوكالة يوماً عن مواصلة تقديم المساعدات المطلوبة للاجئين الفلسطينيين فيتحمل عنها عبء تأمين هذه المساعدات، لذا كان يلاحق الدول المساهمة فيها للاستمرار في تأمينها، وأورد نصاً في مقدمة دستوره يقضي بمنع توطينهم وإلا كان ذلك سبباً لتقسيم لبنان وتجزئته.
وقد استمر وضع اللجوء الفلسطيني في لبنان سنوات لا يثير المشاكل إلى أن قررت منظمة التحرير الفلسطينية تسليح الفلسطينيين اللاجئين بهدف تحرير أرضهم المحتلة في فلسطين من لبنان، فتحولت المخيمات ثكناً ومعسكرات وكان ذلك سبباً لإشعال حرب لبنانية – فلسطينية تحولت حرباً لبنانية – لبنانية دامت 15 سنة، ثم حرب الآخرين على أرض لبنان.
أما اللجوء السوري فهو مختلف جداً عن اللجوء الفلسطيني، إذ ان هذا اللجوء لم يكن خاضعاً لأي رقابة وضبط لمعرفة من هو السوري الذي تنطبق عليه صفة اللاجئ فيسجّل في عداد اللاجئين، ومن لا تنطبق عليه هذه الصفة لا يسجّل، وهو ما تفعله السلطة اللبنانية متأخرة الآن وقد لا يكون لها النتائج التي تتحقق كما لو أن ما تفعله اليوم فعلته منذ بدأ اللجوء السوري.
وما تواجهه الدولة اللبنانية من جراء اللجوء السوري لم تواجهه من جراء اللجوء الفلسطيني وهو الآتي:
أولاً: انتشار اللاجئين السوريين في كل المناطق والقرى والبلدات في لبنان، وعدم التوصل حتى الآن إلى اتفاق على إقامة مخيمات لهم: هل داخل الاراضي اللبنانية أم عند الحدود المشتركة اللبنانية – السورية، أم داخل الاراضي السورية بعد جعلها منطقة آمنة، وهذا يحتاج إلى قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، وقد لا يصير اتفاق بين الدول الخمس الكبرى عليه لأسباب سياسية تتصل باختلاف نظرة كل دولة من هذه الدول إلى الوضع في سوريا وإلى الوضع في لبنان.
ثانياً: يتحمل لبنان واللبنانيون مسؤولية تقديم المساعدات على أنواعها للاجئين السوريين، وأن ما تقدمه الدول غير كاف وغير مضمون استمراره بحيث تضطر الدولة اللبنانية كل مرة إلى حض هذه الدول على تقديم المساعدات الكافية، وإلا كان عاجزاً وحده عن تقديمها فيواجه عندئذ مشكلة اجتماعية وأمنية مع اللاجئين السوريين.
ثالثاً: ان بين اللاجئين السوريين من هم سياسياً مع النظام في سوريا ومن هم ضده، وهي حالة قد تخلق سبباً لتعكير الأمن في لبنان في أي وقت، لا بل قد تخلق صداماً مسلحاً مع قوى الدولة اللبنانية كما حصل في عرسال وفي بلدات أخرى، فيكون اللاجئون السوريون يشكلون تهديداً للأمن والاستقرار في لبنان، خصوصاً أن بينهم من يحمل السلاح أو مدرب على حمله.
لذلك ينبغي على الدولة اللبنانية أن تسرع في بت وضع اللاجئين السوريين ليس لجهة ضبط عددهم فقط إنما اختيار المناطق التي سيقيمون فيها، بموقف لبناني واحد، لأن استمرار خلافهم حول ذلك يجعل لبنان واللبنانيين يدفعون الثمن غالياً، أو ان يتفقوا على تطبيق القرار 1701 في ما يتعلق بالحدود مع سوريا، وان تسعى الدولة جاهدة لدى المجتمع الدولي لتخصيص مساعدة كافية كل سنة لهؤلاء اللاجئين على غرار ما يحصل لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، وإلا كان على هذا المجتمع، وهو مسؤول معنوياً عما حل بالشعب السوري، أن يسرع في إيجاد حل للحرب المدمرة في سوريا والتي لا يعرف أحد متى تنتهي ما دام الخلاف قائماً بين الدول المعنية على هذا الحل، فيحل بالشعب السوري عندئذ ما حل بالشعب الفلسطيني.