ينتهي النصف الأول من ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون على وقع «انتفاضة 17 تشرين»، فيُطفئ العهد الليلة شمعة بلوغه السنة الثالثة من عمره. وبعد انتفاضة شعبية استمرّت أسبوعين، وأدّت إلى إسقاط «حكومة العهد الأولى»، يبدأ النصف الثاني من الولاية الرئاسية بتأليف حكومة جديدة، محمّلاً بأثقال وأزمات واستحقاقات كثيرة، في ظلّ خطر إنهيار البلد في أيّ لحظة. فما هي أسباب تعثّر العهد في النصف الأول من ولايته؟ وهل يمكن إنقاذه وانتشال البلد من الاخفاق في السنوات الثلاث المقبلة؟
في 31 تشرين الأول 2016 رأى كثيرون في انتخاب عون رئيساً للجمهورية، فرصة حقيقية ليكون عهده بمنزلة «عهد فؤاد شهاب آخر» على مستوى بناء الدولة، على صعيد المؤسسات والقضاء واعتماد النزاهة في الإدارة بعيداً من الفساد.
استند هذا الإعتقاد الى ركائز الدعم السياسية التي أوصلت عون الى سدّة الرئاسة من خلال التسوية الرئاسية، فضلاً عن امتلاكه كتلة نيابية كبيرة وتمثيلاً شعبياً واسعاً.
وإذ استندت التسوية الرئاسية الى مبدأين أساسيين: النأي بلبنان عن نزاعات الخارج وتحييد الملفات الخلافية من أجل الانكباب على ورشة إصلاحية، اعتُبرت المرحلة التي ترتكز على قوى سياسية عدّة، مدخلاً لولوج الإصلاح الحقيقي الذي ينتظره اللبنانيون، بعد مرحلة الإنقسامات العمودية الكبرى والواسعة التي استمرت منذ عام 2005.
وفيما كان يُفترض بالعهد أن يُعطي مسألة بناء الدولة الأولوية، لم يتحقّق هذا الأمر حسب أطراف سياسية عدة، لأنّ أولوية خلافة العهد تخطّت أولوية نجاحه. فأدخلت أولوية وصول رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الى كرسي الرئاسة البلد في نزاعات متتالية ومواجهات متنقلة، ما جعل الإنقسام السياسي عنوان النصف الأول من ولاية عون بدلاً من الإنجازات.
ويرى البعض، أنّ سبب انتهاء النصف الأوّل من العهد على وقع انتفاضة شعبية تطالب بسقوط كلّ القوى السياسية، ومن ضمنها رئيس الجمهورية الذي كان يتمتّع بشعبية واسعة، أنّ اللبناني لم يعد يحتمل الإنقسامات والمواجهات المستمرة منذ سنوات بين مكوّنات السلطة، التي يخسر بسببها كرامته ومعيشته وعمله… كذلك لم يحصد اللبنانيون في السنوات الثلاث الماضية إلّا غلاء المعيشة وإزدياد الفساد والمحاصصة وعملية النهب المنظّمة.
أمّا بالنسبة الى معارضي العهد والتسوية الرئاسية، فإنّ الإرتباط بسياسة «حزب الله» ومشروعه أدّيا الى اهتزاز العهد عند اهتزاز مشروع «الحزب» على المستويين الداخلي والإقليمي. ويعتبرون أنّ عهد عون لم ينجح في تحقيق طموحات الشعب اللبناني، لاستحالة معالجة الوضع الإقتصادي من دون معالجة الوضع السياسي.
وإذ يشيرون إلى تأثّر لبنان بالعقوبات على «حزب الله» سياسياً وإقتصادياً ومالياً، يسألون: هل يُمكن الجهات الدولية التي تعتمد استراتيجية فرض العقوبات على إيران و«حزب الله» وقطع كلّ مجال لتمويله، أن تدعم لبنان في ظلّ وجود إحتمال وصول جزء من هذا التمويل الى «الحزب» أو من يدعمه؟
العقوبات تُشكّل جزءاً من المشهدية التي ينتهي على وقعها النصف الأول من عهد عون، والتي تشمل أزمة الدولار وتداعياتها على المواطن، الذي ذلّته السلطة على أبواب المصارف ومحطات الوقود والأفران… فضلاً عن فضيحة فشل الدولة في إخماد الحرائق التي التهمت أجزاء كبيرة ممّا تبقى من «خضار» في جبالنا، وصولاً إلى الغضب الشعبي الذي تفجّر ثورة بقطع الطرق لأسبوعين. وما زاد تشويه هذه المشهدية تعدّي مجموعات تنتمي إلى «حزب الله» وحركة «أمل» على المعتصمين السلميين في بيروت.
أمّا النصف الثاني من العهد فيبدأ بتحدّي تأليف حكومة يُطالب المتظاهرون بأن تكون خالية من أيّ طرف سياسي شارك في السلطة منذ 30 عاماً، في مقابل محاولة أفرقاء الحكومة المستقيلة العودة الى الحُكم من «الشباك».
النقمة الشعبية التي طاولت رئيس الجمهورية يضعها مؤيّدوه في خانة الحملة الإعلامية التي تستهدفه وباسيل لتهديم صورتيهما، ويعتبرون أنّ هذا الاستهداف يُشكّل حلقة جديدة من مسلسل المخططات التي تهدف الى تفجير لبنان.
ويشيرون إلى أنّ عون عمل على أن يتمكّن لبنان من الصمود بشكله الحالي، وبقوته الداخلية وقوة مؤسساته، ولقد نجح في ذلك. ويلفتون إلى ما تحقّق خلال عهده الى الآن، من إعادة لبنان الى السكة الدستورية من خلال قانون انتخاب جديد وإجراء انتخابات نيابية بعد الإمتناع عن إجرائها لـ 9 سنوات، إضافةً إلى إقرار موازنات الدولة سنوياً بعد مرور نحو 12 عاماً على إقرار آخر موازنة، فضلاً عن القضاء على الإرهاب وإعادة التوازن الى الدولة، ومحاربة الفساد من خلال القوانين المُقترحة والتعيينات القضائية… ويشدّدون على أنّ الرئيس تمكّن من تحقيق كلّ هذه الأمور وحماية البلد بصلاحيات محدودة.
في المقابل، لم تتحقّق إنجازات كثيرة موعودة على مستوى الإدارة والصعيد المالي – الإقتصادي – المعيشي، وخصوصاً على صعيد محاربة الفساد. وعلى رغم امتلاك عون كتلتين نيابية ووزارية وازنتين، فضلاً عن تحالفه مع «حزب الله» الذي يؤمّن له الغالبيتين النيابية والوزارية، إضافةً إلى تفاهمه مع رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، يعتبر مؤيّدوه أنّ هذه العوامل ليست كافية في المنظومة اللبنانية، ليتمكّن الرئيس من التحكّم بكلّ مفاصل السلطة وأدواتها.
أمّا العائق الأساس للإنجاز بالنسبة الى هؤلاء، فهو: الصلاحيات. إذ إنّ الرئيس يملك فقط الجزء الأصغر من أدوات الحُكم فيما أعطى دستور «الطائف» الحصة الأكبر من الصلاحيات الى رئاسة الحكومة.
كذلك، يعتبرون أنّ أفرقاء «التفاهم الرئاسي» لم يسهّلوا الحكم، أي اتخاذ أي قرار وتنفيذه وعدم تعطيله. ويوضحون أنّ الغالبية الوزارية ليست كافية في ظلّ امتناع رئيس الحكومة عن طرح الملفات على التصويت، وهذا ما كان يفعله الحريري، حتى في مواضيع بديهية مثل ملف الكهرباء.
ويشيرون إلى أنّ من أسباب عرقلة اتخاذ القرارات، اعتماد قاعدة «ضرورة توافق الجميع» وأن يحظى كلّ طرف مهما كان حجمه الوزاري بحق «الفيتو».
وفي النصف الثاني من عهد عون، يعتبر مؤيّدوه أنّ عليه ان يتخذ خياراً حاسماً بإعتماد حكومات الأكثرية لكي تتمكّن من العمل والإنجاز وإعطاء النتائج التي ينتظرها الناس.
في المقابل، ترى أطراف سياسية أنّ المرحلة المقبلة تتطلّب بشكل أساسي إعادة الأولوية للهمّ المعيشي – الإقتصادي، وأن يُشكّل الجزء الثاني من الولاية انعكاساً لإرادة الناس وأولوياتهم.
أمّا معارضو العهد فيعتبرون أنّ إنقاذه مُرتبط بالإنقاذ الإقتصادي، المُرتبط بدوره باستعادة الدولة قرارها. ولتحقيق هذا الأمر يجب إسقاط ثلاثية «جيش وشعب ومقاومة» من البيان الوزاري لأيّ حكومة، وأن يتضمّن البيان بنداً ينصّ على إستعادة علاقة لبنان الطبيعية والتاريخية مع الدول العربية والغربية، وأن ينفّذ وزير الخارجية هذه السياسة ليتمكّن لبنان من استعادة الدعم الخارجي، وإلّا ستكون السنوات الثلاث المتبقية من عهد عون مثل السنوات الثلاث الأخيرة من عهد الرئيس إميل لحود، بعد التمديد له، من عام 2005 الى 2008.