هناك توتر إيراني غير طبيعي هذه الأيّام. لماذا التحرّش مجدداً بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين مباشرة أو عبر الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله؟
لماذا العودة الى ممارسات معيّنة في جنوب لبنان للتذكير بانّ القوة الدولية المنتشرة فيه، بموجب القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن، صيف 2006، ليست سوى رهينة لدى إيران، وأن الاستقرار في لبنان آخر هموم «الجمهورية الإسلامية» التي تعتبر لبنان «ساحة» لا أكثر؟
مرّة أخرى تسعى إيران الى استخدام جنوب لبنان وأهله، غير مدركة أنّ القرار 1701 حمى المنطقة وأمّن لأهل الجنوب أحد عشر عاماً من الهدوء والاستقرار. وهذا أمر يحدث للمرّة الأولى منذ العام 1969، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم… أي منذ ما يقارب نصف قرن!
كذلك، كان من أبرز الدلائل على التوتر الإيراني الكلام الصادر عن أحد قادة «الحرس الثوري»
عن تدمير إسرائيل في سبع دقائق ونصف دقيقة. ليست المرّة الأولى التي يتحدّث فيها مسؤول إيراني عن إزالة إسرائيل من الوجود. لكنّ اللافت، في ضوء الحملة المتجددة على إسرائيل، أنّها جاءت في وقت تبدو إيران، التي لم تقاتل إسرائيل يوماً، بل حصلت منها على أسلحة إبان الحرب الإيرانية ـ العراقية بين 1980 و 1988، في وضع لا تُحسد عليه بعدما رحلت إدارة باراك أوباما.
لم يعد الملفّ النووي الإيراني أولوية أميركية. لم يعد يأتي دونالد ترامب على ذكره بعدما استخدمه في خلال حملته الانتخابية كسلعة تصلح للمزايدة على إدارة أوباما الديموقراطية والمرشّحة هيلاري كلينتون.
ثمّة حاجة الى فهم التوتر الإيراني من زاوية، أوسع وليس الاكتفاء بالتغيير الذي حصل في الولايات المتحدة وخوف طهران من صفقة أميركية ـ روسية في شأن سوريا، التي تعتبرها إيران جسراً لتزويد «حزب الله» بالسلاح والمساعدات.
ما يشير الى أن إيران في وضع مأزوم والى أنّ توترها واللغة الاستفزازية التي تلجأ إليها ليسا سوى مرآة لهذه الأزمة، مدى تضايقها من تحرير قوات يمنية مدعومة من التحالف الدولي ميناء المخا. هذا الميناء يتحكّم بمضيق باب المندب من الجهة اليمنية. ولمَن لا يعرف ما هو باب المندب، لا بدّ من التذكير بأنّه الممر المائي الذي تعبره السفن المبحرة في اتجاه قناة السويس.
كان تحرير المخا من الحوثيين (أنصار الله) المتحالفين مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، جزءاً من استراتيجية متكاملة تصب في حرمان إيران من التحكّم بالممرات المائية التي تهمّ دول الخليج والمجتمع الدولي. هذا يعني أنّ هناك وجوداً عربياً ودولياً في كلّ المنطقة الممتدة من مضيق هرمز، الذي تطلّ إيران عليه مع سلطنة عُمان، الى قناة السويس، مروراً في طبيعة الحال بضفتي القرن الأفريقي وجزر البحر الأحمر.
يبحث التاجر المفلس في دفاتره القديمة. لذلك، كان على إيران التهديد بالاستيلاء على جزر أخرى تابعة لدولة الإمارات. لم تكتفِ إيران باحتلال أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى منذ العام 1971، أي منذ أيّام الشاه، بل تلجأ هذه الأيّام الى التهديد باحتلال جزيرتين إماراتيتين أخرتين. تريد بكل بساطة التأكيد أن شيئاً لم يتغيّر في سياستها التقليدية، ذات الطابع العدائي، تجاه جيرانها العرب.
كانت لدى إيران أطماع في جزر عربية تابعة للإمارات في أيّام الشاه وكانت لها أيضاً مواقف عدائية من البحرين. لا تزال الأمور على حالها. ما تغيّر في أيّامنا هذه أنّ دول الخليج ليست في وارد الرضوخ للإملاءات الإيرانية.
لن تخيف إيران أحداً في منطقة الخليج العربي. كذلك، لن تنطلي على أحد مناوراتها، من نوع زيارة رئيسها حسن روحاني للكويت وسلطنة عُمان وقوله كلاماً جميلاً في مسقط والكويت. ثمّة حاجة الى أفعال وليس الى مجرّد كلام ليل يمحوه النهار لا تدعم صدقيته ممارسات على أرض الواقع.
هناك دول عربية قررت بكل بساطة أن تكون لها استراتيجيتها التي تستهدف حماية مصالحها وليس الاعتداء على أحد. لم تنشئ هذه الدول ميليشيات مذهبية تهدد الحكم في البحرين أو تنفذ عمليات عسكرية بهدف إحداث تطهير ذي طابع مذهبي، كما الحال في العراق… أو تشارك في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه. لم تتاجر هذه الدول بلبنان واللبنانيين، وهي تعرف أنّ أيّ حرب مع إسرائيل ستكون مكلفة لبلد مثل لبنان لا تزال فيه منازل مدمّرة منذ حرب صيف العام 2006.
ليس سرّاً أنّ كلّ ما تريده هذه الدول العربية هو تعزيز الاستقرار في المنطقة وترسيخه بعيداً عن الشعارات الفارغة، التي لا تعني الكثير بمقدار ما أنّها تعكس هروباً مستمرّاً للنظام الإيراني من أزمته الداخلية التي تتعمّق سنة بعد سنة، بل يوماً بعد يوم.
لا ذنب للدول العربية، خصوصاً دول الخليج إذا كان الرهان الإيراني على أميركا لم يؤدِ الى النتائج المطلوبة.
إذا كانت لدى إيران مشكلة، فهذه المشكلة تكمن في نظامها الذي لم يستطع تطوير نفسه. كلّ ما هناك هو ثورة تأكل أبناءها، وذلك منذ اليوم الأوّل لقلب الشاه. هناك ثورة في حال هروب دائم الى الخارج. إنّها ثورة لا تدرك أنّها فشلت في اليوم الذي قال فيه آية الله الخميني إنّ بلاده تريد أن تصل الى مرحلة لا يعود فيها اقتصادها يعتمد على النفط.
في السنة 2017، يعتمد الاقتصاد الإيراني على النفط أكثر مما كان عليه الوضع في عهد الشاه. لا فشل أكبر من هذا الفشل الذي يفرض امتلاك القدرة والشجاعة على القيام بعملية نقد للذات قبل استفزاز الجيران العرب البعيدين والقريبين والتهديد باحتلال أرضهم وجزرهم.