تُشبه العملية الارهابية التي شهدتها بلدة القاع، وذلك من حيث الشكل والتنفيذ، العملية الارهابية التي أحبَطتها مخابرات الجيش قبل نحو شهر، وكانت تريد استهداف شارع يكتظّ بروّاد الملاهي الليلية في العاصمة بيروت. وقد أظهرت التحقيقات في شأنها أنّ ثلاثة إرهابيين أوكلوا بمهمة تنفيذها، أوّلهم كان يعتزم إطلاق النار عشوائياً على رواد المقاهي ثم يُفجّر نفسه بحزامه الناسف، ويليه الثاني الذي كان سيُفجّر نفسه حينما تحضر قوات الامن، فيما يحتجز الثالث رهائن في كنيسة قريبة من المكان.
السيناريو نفسه تقريباً نُفّذ عملياً في القاع، حيث فجّر ثلاثة انتحاريين أنفسهم على التوالي، الأوّل أمام منزل احد المواطنين، والاثنان الآخران فجّرا نفسيهما على فترات متباعدة عندما مرّت قوات الامن في طريق مجاور قاصدة مكان الانفجار الأول.
ثمّة نقطة أخرى شهدت تشابهاً، وهي تقع في أنّ الإرهابيّين استهدفوا هذه المرة بلدة القاع المقطونة بمواطنين مسيحيّين، فيما العملية المُحبَطة كانت تُخطّط أيضاً لحجز رهائن في كنيسة تقع في الشارع المنوي استهدافه، وفي الحالين هناك رمزية استهداف المسيحيين.
ويقود التشابه بين العمليتين لجهة طريقة تنفيذهما (إنغماسيون يفجرون أنفسهم بالتتالي) واختيار هدف لديه رمزية مسيحية، الى استخلاص استنتاج أولي وأساسي يفيد بأنّ القرار الارهابي الذي خطّط لعملية القاع أراد من جهة تعويض فشل سلسلة العمليات الارهابية التي تمّ إحباطها بعدما كان مخططاً تنفيذ معظمها خلال فترة رمضان؛ وأراد من جهة ثانية وفي الأساس تطيير رسالة إلى الدوليين الذين يُحضّرون العدة لدخول الرقة (سواء انطلاقاً من منبج كما يفعل الاميركيون بواسطة قوات سوريا الديموقراطية، أو انطلاقاً من تدمر – السخنة كما يفعل الروس بواسطة الجيش السوري وحلفائه)، بأنّ ثمَن إسقاط عاصمة «داعش» في سوريا سيكون غالياً وسيفتح جبهات خارج سوريا، وسيكون من بين هذه الأثمان استهداف الوجود المسيحي في المشرق.
والواقع أنّ معظم المعلومات المسرّبة الى بيروت منذ أيار الماضي تحدثت عن قرار لـ»داعش» بأخذ لبنان رهينة أمنية استراتيجية لمنع إسقاط الرقة، ولكنّ يقظة الاجهزة الامنية حرَمت «داعش» من ترجمة قرارها عملياً في الميدان اللبناني، ما اضطرَّها إلى تعويض فشلها في اختراق العمق اللبناني، عن طريق انتقاء هدف لبناني ناءٍ يقع قرب مواقعها عند الحدود مع سوريا.
ويَبدو أنّ «داعش» اكتفت بالرمزية المسيحية التي تُمثّلها بلدة القاع، واعتبَرت أنّ طابعها المسيحي سيكون كافياً لإيصال رسالتها الأساس من العملية الى الغرب، وهي تتوعّده بأنّ الثمن الذي سيُدفع مقابل سَعيه إلى إسقاط الرقة وتزخيم منسوب الحرب على «داعش» في سوريا والعراق، سيكون غالياً، ويشتمل ضمن ما يشتمل تهديد الوجود المسيحي في المشرق.
ويسود لدى متابعين لملف أداء «داعش» وشقيقاتها في هذه المرحلة، انطباع يستند الى تقاطعات استخباراتية غربية وشرقية، قوامه أنّ تنظيم الدولة الاسلامية سيدخل في المدى المنظور أساليب خطرة على طرائق عمله، تتمثّل في توسيع رقعة عملياته لتشمل ساحات جديدة بينها لبنان والاردن خصوصاً، وأيضاً في اوروبا، كما سيلجأ الى استخدام مكثّف لسلاح الإنغماسيين الذين ينفذون عمليات تفجير انتحارية جماعية (أكثر من انتحاري في عملية واحدة) وذلك ضد اهداف مدنية وعسكرية، وذلك بهدف إيصال رسائل رعب وتخويف وتعميق الاحساس بالقلق الوجودي لدى مكونات طائفية بعينها وأبرزها في هذه المرحلة الطائفة المسيحية، لأنّ المسّ بها يخلق ردود فعل شعبية داخل أوروبا.
وأخطر ما يتوقعه هذا السياق من المعلومات الاستخباراتية، هو أنّ «داعش» ستكثّف خلال هذه الفترة من استخدام أسلحة نوعية باتت موجودة في ترسانتها فعلاً، وتتشَكّل من صواريخ أرض – جو. ويتوقع أن تستخدمها «داعش» في عملياتها الارهابية خارج سوريا، وذلك إمّا انطلاقاً من مواقعها عند الحدود السورية الدولية الاخيرة، أو من خلال تسريبها من مواقعها الحدودية هذه الى دول أخرى.
وهذه الخشية هي التي تجعل قوات التحالف الدولية في سوريا، تُركّز ضمن سلّة أهدافها الاستراتيجية ضد «داعش»، على تضييق رقعة وجودها الجغرافية قدر الإمكان في مناطق الحدود الدولية لسوريا مع جيرانها. وكان ملفتاً خلال الفترة الاخيرة أنّ سيطرة «النصرة» في المناطق الحدود اللبنانية – السورية، تراجعت لمصلحة اتّساع رقعة سيطرة «داعش» عليها.
ويشكل هذا التطور خطراً مضاعفاً على الأمن اللبناني، خصوصاً في ظل المعلومات الجديدة عن أنّ «داعش» قد تلجأ إلى تزخيم عملياتها في اتجاه محاولة تسريب صواريخ أرض جو من ترسانتها في سوريا الى الدول المجاورة عبر منافذ حضورها في المناطق الحدودية.
صواريخ أرض جو
وخلال نقاشات الاجتماع السابع عشر لفريق العمل الانساني المنبثق عن مجموعة الدعم الدولية الخاصة بسوريا، رصَد المشاركون تطورات مقلقة طرأت على سلوك «داعش» وتسليحها في هذه الفترة؛ أبرزها:
أولاً – إزدياد منسوب العنف خلال الاسابيع الاخيرة في سوريا قياساً بالأسابيع الاولى من عقد الهدنة الاميركية – الروسية؛ ما يعني أنّ العنف يتجه إلى التعاظم هذا الصيف والتشَظّي الى خارج سوريا.
ثانياً – في إطار طرح الخطة البديلة لإيصال المساعدات الانسانية إلى المناطق المحاصرة في سوريا، ظهر أنّ استخدام الجو بدلاً من البر، هو أمر لا يصطدم فقط برفض دمشق له، بل بخشية الطائرات التجارية المرشّحة لتنفيذ هذه المهمة من إسقاطها بواسطة صواريخ ارض – جو باتت تملكها «داعش» والفصائل الارهابية الأخرى.
وهي معلومات جَنتها أجهزة استخباراتية غربية وشرقية، وأكّدها ضابط الاتصال الروسي الذي شارك في اجتماع فريق العمل الانساني الدولي، كاشفاً في مطالعته عن وجود أنظمة دفاع جوي تملكها المجموعات التكفيرية المسلحة في سوريا، تمثّل خطراً على الطائرات المدنية والحربية لدى تحليقها على ارتفاع ما دون ٣٥٠٠ م.
ووفق معلومات «الجمهورية»، فإنّ منظومة صواريخ الجو المملوكة من الإرهابيين في سوريا والتي يُخشى من أن تُسرّب «داعش» بعضها الى دول الجوار السوري، في إطار تنفيذ قرارها توسيع رقعة الحرب للدفاع عن الرقة، تشمل ما يفوق الـ٥٠٠ وحدة من سلاح أرض جو، منها من تصنيع روسي من نوع «igla» (يقدّر بـ١٣٠وحدة)، ومنها من تصنيع اميركي من نوع «stinger» وتُقدّر بـ٢٥٠ وحدة، بالإضافة إلى وحدات صواريخ من نوع «mistral» وهي الأكثر تطوراً ومن تصنيع أوروبي، ويُحقّق هذا السلاح هدف شَلّ المروحيات بشكل كبير.