IMLebanon

ما جديد إنتحاري الـ«كوستا» وحزامه الناسف؟

 

ما كان يَنقص المتّهم بمحاولة تنفيذ عملية إنتحارية في مقهى كوستا – الحمرا عمر العاصي (25 سنة) سوى المطالبة بتلقّي اتصالات المستمعين، خلال استجوابه في المحكمة العسكرية الدائمة. لِوَهلة، غابَ عن باله أنّه المتّهم، فأخذ دور الضيف الذي يستطرد في تحليلاته الاستراتيجية لولا مقاطعة القاضي له مراراً: «قل ما لديك، واترك التحليل لهيئة المحكمة»، كما دور المحاور غير متردِّد في توجيه الأسئلة إلى رئيس المحكمة، ولا في تصويب أسئلة النيابة العامة له معلّقاً: «هيدا كلام فاضي»، وكأنّ في جرأته الفائضة وابتساماته الزائدة رهان على عفو عام يشمله. ووسط ذهول الحاضرين من أداء العاصي وحججه بأنّه خُدع، إنطلقت محاكمته التي دامت قرابة الساعة، قبل إرجائها إلى 6/3/2018.

لم يكن الشاب عمر العاصي الذي مَثُل أمام رئيس المحكمة العسكرية للمرة الأولى في 3 أيار 2017، هو نفسه الذي استُجوِب أمس. في المرة الاولى بَدا خجولاً، متأملاً، قليل الكلام، يداه خلف ظهره، مكتفياً بالإشارة إلى أنه يريد وكيل دفاع تُعيّنه له نقابة المحامين.

أما في مثوله الثاني فبدا طليق اللسان، كثير التحليلات، أقرَب إلى خطيب على منبر يؤشّر بيديه، يتعذّر عليه الانضباط، ما دفع بالعسكريّين مراراً إلى توجيه الملاحظة إليه: «إيديك ورا ضهرك»، أو إلى تدخّل وكيلة الدفاع عنه المحامية فاديا شديد: «روق، جاوب عا قد السؤال».

في التفاصيل

قرابة 12:30 بعد الظهر، إفتتح رئيس المحكمة العسكرية حسين عبدالله الجلسة يُعاونه القاضي المدني حسن شحرور، في حضور ممثل النيابة العامة القاضي رولان شرتوني، ثم نادى «عمر العاصي»، فدخل مرتدياً جينزاً أزرق وكنزة كحلية، وحذاءً رياضياً، وقد بَدت لحيته طويلة.

سبق للعاصي أن اعترف بتفاصيل العمليّة الإرهابية، من مبايعته تنظيم «داعش» مروراً بتلقّيه الامر من الرقّة بتنفيذ عملية إنتحارية في مقهى «كوستا» الحمرا في 21 كانون الثاني 2017، حيث فشل في تفجير نفسه بحزام ناسف داخل المقهى، قبل أن تُطبق عليه مخابرات الجيش وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وتوقفه.

إلّا أنّه وعلى طريقة «عَنزة ولو طارت»، على مدى ساعة، حاول العاصي، خلال استجواب القاضي له، التراجع عن جزء ممّا اعترف به، واقناعه أنه لم يكن يعرف الجهة التي يقوده إليها السائق بعدما زَنَّره بالحزام: «كنتُ أعتقد أنّني سأتجه إلى قتال «حزب الله» على الحدود، فأنا مقتنع بكلام السيّد نصرالله عن أنّ لبنان ليس ساحة قتال أو معركة».

لم يُنكر العاصي، الذي كان قد تلقّى دروساً دينية على يد الشيخ أحمد الاسير، انتماءه إلى مجموعة الإرهابي الفار شاهين سليمان بعد مشاركته في معركة عبرا في 18/6/2013، وذلك بهدف النيل من «حزب الله» والجيش اللبناني. فأخبَرَ «كيف أنّ سليمان كلّفه مراقبة مقهى «هوب هوب» الذي يرتاده أفراد من «سرايا المقاومة» والحزب، لذا سَلّمه هاتفاً وبندقية».

حاول العاصي إقناع القاضي بأنّه أحرق رقم هاتفه وباع البندقية لجاره محمود عبد العزيز، لأنه تلميذ جامعي وليس لديه الوقت، إلّا أنّ عبدالله كان له في المرصاد قائلاً: «أحرقت خطك بعدما كُشف أمر الخلايا النائمة». فردّ العاصي: «فيك تسأل وتجيب تواريخ»، وأضاف: «رِحت مَعُن بالحَيَا».

الإنتماء إلى «داعش»

  • عبدالله: بتقول قرّرت الذهاب إلى سوريا والإلتحاق بـ«داعش»؟.

– العاصي: كنا نُعامل كطائفة سنيّة مَغبونة، بازدراء وحقارة، زعجتني المعاملة. والحمدالله منذ صغري كنت مجتهداً، ولكن بعد سن العشرين «شوي تِعبِت نفسيتي»، نتيجة هذا الإحساس قرّرتُ الإلتحاق بـ«داعش». سأعطيك نموذجاً عمّا حدث معي في جامعتي في الحدث، حيث انتظرَتني مجموعة من شباب «حزب الله» وضربني أكثر من 20 شخصاً ضرباً مبرحاً، فقرّرت أخذ حقي. توجّهتُ إلى النيابة العامة، «نامَ الملف». الدولة اللبنانية عاجزة عن جَلب حقي، القضية شخصية، وليست قضية دينية و….».

  • عبدالله: «روق شوي بَدنا كزا جلسة»، أخبرنا بداية كي نعرف ما الذي قادَك لهذا العمل؟

– العاصي: دخلتُ الانترنت وصرت أتابع صفحات تنظيم «داعش» وإصداراتهم، والتعرّف إلى الفَرق بين الجهات التنظيمية والجهاد. وكنت قد أنهيتُ دراستي في التمريض، ولاحقاً تخصَّصتُ IT، وأنشأتُ حساباً على «تويتر» بإسم «ابو محمد اللبناني» لأعبّر عن المعاملة التي نعيشها. ولاحقاً فتحتُ حساباً بإسم «ويسو»، تواصلتُ من خلاله مع شاهين الذي فتح حساباً بإسم «حسام»، وسألني بدك تروح على سوريا؟

  • عبدالله: أين هو شاهين؟

– العاصي: أغلب ظنّي أنه في المخيم، وكان قد وعدني بأن يربطني بشخص وهو ابو الوليد مكي. و«على فكرة ما في شي إسمو «ليلو» متل ما مكتوب قدّامك، في بس ابو الوليد مكي»، أستغرب كيف أنّ الوزارة سجّلت ذلك. فتواصلتُ مع ابو الوليد عبر تطبيق «تلغرام». أقنعني أنّ الحدود اللبنانية مقفلة، وعليّ نسيان موضوع التوجّه إلى سوريا، وفي الوقت عينه أرسل لي خطابات وإصدارات يحضّني من خلالها على الجهاد. وقال لي: «بدّن يعملو شي بلبنان»، فأكّدتُ له انني غير مستعدّ، أريد التوجّه إلى الحدود.

  • عبدالله: وهل صرتَ مستعداً للقيام بعملية انتحارية؟

    كلمة السرّ

– العاصي: لا لم أكن على علم إلّا قبل 5 دقائق من العملية، حين صعدت في السيارة، وكنت أخالُ أنّ الحدود وجهتنا. كلّ ما عرفته من أبو الوليد أنّ السائق ينتظرني على جامعة الحريري جانب منزلي في صيدا، في سيارة «سوزوكي»، ذات لوحة خضراء، (على عكس ما هو مدوّن أمامك قالها للقاضي وأكمل)، أقول له كلمة السر «اللي بيصبر بيوصَل»، ليُقلّني.

  • عبدالله: كيف بَدا مظهره؟

– العاصي: لبناني عادي، ثلاثيني في العمر، له لحية. ألبسني حزاماً ناسفاً تناوله من بين أحزمة ناسفة على المقعد الخلفي.

  • عبدالله: ماذا تحدّثتم في الطريق؟

حاول العاصي تجاهل السؤال، قائلاً: 3 أمور دفعتني للشك وأنّ هناك مخابرات. فقاطعه عبدالله: «أخبرنا ما حدث معك واترك لنا الاستنتاج، إذا كان حبّ البحث هو الذي دفعك للإلتحاق بـ«داعش»، يبدو أنّ استنتاجك غير صحيح ولا يقودك إلى أمكنة سليمة». أجاب العاصي: «قال لي السائق توكّل على الله».

فقاطعه عبدالله: «يعني كنت عارف حالك منك رايح ع الحدود». إلّا أنّ العاصي واصل كلامه كأنّه يُخاطب نفسه: «كان السائق مرتاح البال غير متوتّر وهو يلبسني الحزام، فُكّ الشريط فطلب مني عقده مجدّداً وهو مرتبك.

ظننتُ وجهتنا إلى الحدود إلّا أنّه أوصلني إلى محيط مقهى «كوستا» على بعد 50 متراً، وقال لي «هَون بيجتمعوا كوادر الحزب»، فقلت له: شو المطلوب؟». أجاب: «هون عمَلنا»، فوَجدتها فرصة للهروب والانسحاب، ولكن ما حصل أفشَلَ هروبي. لديّ الكثير من الأسئلة.

  • عبدالله: «طَوّل بالك على الاسئلة»، هناك نقطة تُحاول التهرّب منها، تَتنكّر لعملية التفجير، فيما لبست الحزام وتواصلت مع جهات، حتى أنّك كتبت وصيتك، فكل المؤشرات تؤكد نيّتك». لماذا كتبت وصيتك؟

– العاصي: كلّ مسلم قبل ان يضع رأسه على الوسادة يكتب وصيته. لدي سؤال مهم.

  • عبدالله: طوّل بالك على الاسئلة. طالما نزلت على بعد 50 متراً عن المقهى لماذا لم تهرب؟

– العاصي: قلتُ في نفسي: بِمشي معو للآخر، ولو كان لدي نيّة للتفجير لم أكن لأحتسي القهوة قبل ربع ساعة، ومن لهجة روّاد المقهى شَعرتُ أنهم سنّة فهل أنا غَبيّ لأقتلهم؟ إنسَحبت، «الكاميرات بتشهَد»، ولكن على الباب تمّ ضبطي. لماذا لم يُضبط السائق ورقم سيارته معروف؟!!

«شي حلو بالموضوع»

  • عبدالله: كيف تمّ توقيفك في «كوستا»؟

– العاصي: هناك مسألة حلوة في الموضوع.

  • عبدالله: ما في شي حلو يا عمر بالقضية. سبق واعترفت أنّك أردت انتظار دخول أعداد اكبر أو الانتقال إلى مطعم آخر.

– العاصي: حَكي فاضي. هناك داتا وأدلّة، وكاميرات يمكن أن تبيّنها. الله يرضى عليك إذا بدك تحكيني احكي إثباتات».

  • عبدالله: كل شي متوافر رَح يِنجَاب.

وأعطى عبدالله الكلام إلى ممثل النيابة العامة، وما إن همَّ الشرتوني بطرح سؤاله حتى قاطعه العاصي، إلّا أنّ عبدالله منعه قائلاً: «تاركينَك على راحتك بس تعلّم تِسمع».

وعاد الكلام إلى الشرتوني، فسأله ما إذا كان ينوي القيام مجدّداً بعمل إنتحاري؟ فتراجع العاصي عن نيّته عكس ما كان قد أكّده أمام قاضي التحقيق الأول رياض أبو غيدا. ورداً على سؤال الشرتوني له: «إلى اين كنت ستتّجه بعدما قرّرت مغادرة كوستا؟».

أجاب: «قد أتصل بأخي أو أتّجه إلى أقاربي في بيروت… أنا مظلوم وأستدرجت إلى فخ نصب لي». بعدها أرجأ عبدالله الجلسة إلى 6 آذار للتزوّد بداتا الاتصالات والكاميرات والسيارة المستأجرة وعرضها.