لم تكن دعوة «الجماعة الإسلامية» إلى إقامة صلاة الفجر في ساحة عبد الحميد كرامي في طرابلس ليلة الانقلاب العسكري الذي حصل في تركيا، سوى «أضعف الايمان» في الابتهال لحفظ نظام الرئيس رجب طيب أردوغان، كونه «المعقل الأخير» لحركة «الأخوان المسلمين» في المنطقة والعالم.
ثمّ ما لبثت أن أقامت «الجماعة» صلاة الشكر في الساحة نفسها مع الاعلان عن فشل الانقلاب، وعمّ الفرح «إخوان لبنان» وأنصارهم الذين خرجوا في أكثر من مسيرة سيارة حاشدة دعماً للنظام التركي ورفعوا خلالها الأعلام التركية وصور أردوغان. هذه المظاهر عمّت مناطق لبنانية أخرى مثل صيدا والبقاع الغربي.
لا تخفي قيادات في «الجماعة» أنّها وصلت ليلها بنهارها ويدها على قلبها، بانتظار معرفة نتائج الانقلاب. بالنسبة اليها، لم يعد هناك من ملجأ لـ «الإخوان» سوى تركيا بعد سقوط حكم «الأخوان» في مصر. ولو سقط نظام أردوغان، فلن يكون لهم «مرقد عنزة» في أي بقعة من بقاع هذا العالم، بالإضافة إلى نتيجته في تغيير كامل منظومة المنطقة. ويقول قيادي في «الجماعة» إنّ تركيا «تمثل خط الدفاع الأخير عن ديموقراطية الشعوب في الشرق الأوسط، ولكلّ إنسان يتطلع الى ديموقراطية وحرية حقيقيتين».
القيادي نفسه يقول إن أجمل ما شهدته تركيا «هو أن الوقوف بوجه الانقلاب لم يقتصر على أنصار «حزب العدالة والتنمية» فقط، بل رفضته كل الأحزاب والتيارات وحتى العلمانيين الذين نزلوا الى الشارع جنبا الى جنب الاسلاميين وواجهوا الحركة الانقلابية ودباباتها بصدور عارية، ونجحوا في الحفاظ على النظام والانتظام العام في تركيا».
هذا الواقع «يؤسس لمرحلة جديدة في نمط تفكيرنا كإسلاميين، بأننا نحتاج الى شراكة حقيقية مع كل من يؤمن بالقيم العليا المتعلقة بالديموقراطية والحرية بغضّ النظر عن إيمانه بالمشروع الاسلامي، فإذا ألغيت الديموقراطية كما هو حاصل في عدد من بلدان المنطقة، فان كل المشاريع تصبح أدوات للديكتاتورية. ففي مصر مثلا، كل الأحزاب مجرد ديكور لحكم النظام، ما يعني أن قيم الحرية والديموقراطية هي الأساس، وإذا ما تشاركنا فيها مع غير الاسلاميين تؤمن مصالحنا أكثر بكثير من أية ديكتاتورية حتى لو كانت إسلامية» على حد تعبير القيادي «الأخواني».
ويقول أمين عام «الجماعة الإسلامية» عزام الأيوبي لـ «السفير» إن ما شهدته تركيا يؤكد أن المسار الذي نسلكه في «الجماعة» على صعيد إيجاد الدولة التي تحمي الناس وتضمن حريتهم، يجب أن نستمر فيه، مشددا على أننا سنكمل مسيرتنا على هذا النهج في البلدان التي نتواجد فيها، وفي لبنان بالذات، حيث نسعى للوصول الى الدولة القوية العادلة والديموقراطية، ونسعى الى التعاون مع كل مكونات المجتمع اللبناني، والى توحيد الجهود ضمن الساحة الاسلامية لبلوغ الوحدة ضمن التنوع.
ويدعو الأيوبي كلّ الاسلاميين الى الالتزام بسعة الأفق والانفتاح الحقيقي على الجميع من دون أي فرز بين إسلامي وغير إسلامي، أو بين مسلم أو مسيحي، لأننا لن نستطيع إنجاح أي مشروع إذا لم ننفتح على العالم، مؤكدا أن الشريك المسيحي في مشروع ديموقراطي حقيقي، أفضل بكثير من شريك مسلم منغلق أو ديكتاتوري.