عندما جاء من يطالب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في انتخابات صيف العام 2005 بان لا يقبل باعطاء قوى 14 آذار الاكثرية النيابية، من خلال المشاركة في «التحالف الرباعي»، وكان بمقدوره ذلك، رفض الحاح حلفائه «الصغار» منهم «والكبار»، قائلا «ان حماية البلد أهم، واذا ارادوا المجلس النيابي مقابل عدم الذهاب الى حرب اهلية فهذا مكسب كبير»… وكان لسان حاله يقول، هل موازين القوى الفعلية في البلد تحددها الكتل النيابية داخل مجلس النواب لكي تخاض من اجلها معركة لن تقدم او تؤخر في الامر شيئا؟
هذه الرواية تستحضرها، احدى القيادات البارزة في 8 آذار، لتقديم مقاربة واقعية حول حدود الصراع الدائر اليوم حول القانون الجديد للانتخابات، ثمة اربع قوى رئيسية تخوض مواجهة لاستيلاد قانون انتخابي يؤمن لها مصالحها الداخلية، وهي قوى غير مؤثرة في الواقع الاقليمي وغير قادرة على احداث تغييرات في موازين القوى المحلية، انه الخوف على الاحجام والادوار من جهة النائب وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري، ومحاولة استغلال الفرصة من قبل التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بينما يبدو «الثنائي الشيعي» مرتاحاً على وضعه وغير راغب في خوض اي مواجهة جدية مع اي من اطراف «النزاع»، ويعمل كـ «وسيط نزيه» يحاول تقريب وجهات النظر لطمأنة الخائفين من جهة والحد من جموح الطامحين من جهة اخرى.
وانطلاقا من هذه المقاربة، لم «يثبت بالوجه الشرعي» ان ثمة من يربط قانون الانتخابات بتطورات خارجية معينة اكانت في الاقليمي او من خلال الرهان على «جنون» ترامب، احتفالية السعودية ودول الخليج بتصاعد التوتر الايراني- الاميركي والرهان مجددا على اميركا «لتقليم اظافر» طهران، سيتجسد في ساحات مختلفة ولا يبدو ان لبنان جزءاً منها، فلا القوى المحلية تملك ادوات تخولها الانخراط في مشروع بات اكبر منها في المنطقة، ولا الرعاة الاقليميين والدوليين يضعون هؤلاء في حساباتهم لتغيير معادلات ثبت عدم قدرتهم على القيام بها، وهذا يحد من طموحات كل اللاعبين الساعين لتحقيق مكاسب داخلية غير قابلة للصرف خارج الحدود اللبنانية..
وفي هذا السياق، يبدو ان التسوية التي ادت الى انتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون رئيسا، مقابل عودة الرئيس الحريري الى السراي الكبير، ما تزال شروطها وظروفها حاضرة ولم تتغير، الفريق الذي فرض وجهة نظره بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي لا طموحات لديه في تحقيق ما يتجاوز قدرة الاخرين على الاحتمال، لا يريد الغاء احد من المعادلة، لكنه لا يريد ان يحقق الاخرين مكاسب لا يستحقونها، وكل قانون يؤمن هذه المعادلة مهما كان عنوانه هو اقرب الى «قلب وعقل حارة حريك».
وانطلاقا من هذه المعادلة ثمة اربع نقاط اساسية لا يتناغم معها «الثنائي الشيعي» مع التيار الوطني الحر، ومع العهد، الاولى انهما غير معنيين بتسهيل حصول القوات اللبنانية على حصة مسيحية مضخمة لا تستحقها، على حساب مكونات اخرى من الحلفاء، وحتى من المسيحيين المستقلين، لا يجد هذا الثنائي نفسه معنيا بخوض هذه المعركة، اما تحسين شروط اختيار المسيحيين لنوابهم في المجلس النيابي فامر آخر… اما النقطة الثانية فهي عدم رفع منسوب «التحدي السياسي» مع الآخرين الى حدود ضرب الاستقرار القائم وعودة التشنج الى البلاد، ومن هنا كانت عدم الحماسة الى مسألة تحريك الشارع. النقطة الثالثة تتعلق بعدم «هضم» مسألة الذهاب الى الفراغ في المؤسسة الدستورية الثانية في البلاد، فشغور الرئاسة الثانية تجربة لا يرغب بحصولها «الثنائي الشيعي»، «التهويل» بها مرحليا كوسيلة ضغط لانتاج قانون انتخابي جديد، امر يمكن فهمه، لكن ذهاب الرئيس بعيدا في هذا الموقف يحمل محاذير كثيرة، فهذا الفراغ اذا ما حصل يمكن تأويله وتوظيفه وتحميله الكثير من «سوء النية»، مع بدء الكثيرين بنبش «قبور» الماضي القريب المرتبط بموقف الرئيس نبيه بري السلبي من انتخاب الرئيس عون…
وتلفت تلك الاوساط، الى النقطة الرابعة تتمثل في عدم رغبة «الثنائي الشيعي» بان يتحول قانون الانتخاب الى عنوان لنجاح العهد او فشله، ثمة الكثير من الملفات الاقل تعقيدا ويمكن من خلالها تحقيق الانجازات دون الدخول في صدامات كبيرة تؤدي الى اطلاق الهواجس السياسية والطائفية دفعة واحدة..لكن ما حصل قد حصل، وهو لا يخلف في «الود» قضية، لان الثقة المتبادلة خصوصا بين حزب الله والرئيس عون لا تهتز، وتتجاوز التباين حول تقدير الموقف..
يبقى ان الصراع على القانون الانتخابي كشفت نوايا «الثنائي المسيحي» الراغب في قطف ثمار تحالفه سريعا، وكشف ايضا «شراسة» النائب وليد جنبلاط في خوض حربه الخاصة ضد النسبية حفاظا على موقعه في المعادلة السياسية الداخلية، ورغبة منه في نقل «الزعامة» الدرزية الى نجله تيمور باقل الخسائر الممكنة على الساحة اللبنانية، بعد ان خسر كل الحاضنة الدرزية في الخارج، وهذا لن يحصل الا بقانون «معلب النتائج مسبقا…لكن المفارقة التي تستحق التوقف عندها، ان تيار المستقبل يبقى الطرف السياسي الوحيد الذي لا يعرف حقيقة اي قانون يناسبه، ولذلك فان ما يريده فعليا هو تأجيل الانتخابات الى ابعد وقت ممكن لاعطاء الرئيس الحريري الوقت اللازم من موقعه كرئيس للحكومة لاعادة ترتيب «البيت الداخلي» بما يتناسب مع التحديات القديمة والجديدة.
ومن سخريات القدر، ان «التيار الازرق» الذي حمل شعار معارضة النسبية بحجة وجود سلاح جزب الله «غير الشرعي»، قد يجد في نهاية المطاف ان هذا القانون هو الملاذ الاخير الذي يستطيع من خلاله الحفاظ على ما تبقى له من «كعكة» السنة، وهذا ما يفسر تراجع الحملة على «السلاح غير الشرعي»! لكن وبحسب معلومات اوساط مقربة من «التيار الازرق» ثمة مرحلة من «الضياع» الجدي لدى قيادة التيار، فهوغير متيقن حتى الان ماهية القانون الانسب الذي يحقق له عودة وازنة الى المجلس النيابي، بعد ان تلقى ارقام متفاوتة من اكثر من مؤسسة متخصصة بالاحصاءات، وهي تشير الى ان الخسارة واقعة بغض النظر عن القانون المعتمد، فتيار المستقبل خسر عمليا «رافعة» القوات اللبنانية التي كانت ترفده باصوات مسيحية يحتاجها في عدة دوائر، وخسر المسيحيين المستقلين منذ أن قبل الرئيس الحريري التسوية الرئاسية، اما المعضلة الاكثر خطورة فتتمثل بالشارع السني، وهنا تحضر تجربة الانتخابات البلدية، حيث خسر التيار انتخابات خيضت وفق النظام الانتخابي الاكثري، ولا شيء يمنع من تكرار هذا الامر في الانتخابات النيابية، خصوصا مع تكتل حلفائه المرحليين مع خصومه السابقين، ومع المنشقين، اضافة الى «الحردانين» ضده، وهذا مصدر قلق كبير للرئيس الحريري الذي تنقصه ايضا السيولة المالية لتمويل حملة انتخابية في طول البلد وعرضها، مع اخفاقه حتى الان في استعادة «الحظوة» المفقودة في المملكة العربية السعودية..ولذلك قد تكون النسبية هي الحل بالنسبة للتيار الازرق لكن مع رغبة دفينة في تأجيل موعد الانتخابات الى اطول مدة ممكنة.. وهذا ما يفسر تلطي تيار المستقبل وراء اعتراض النائب وليد جنبلاط، علّ «شغبه» يؤدي الى النتيجة المرجوة؟