ما هو الخطر الحقيقي الذي يهدّد لبنان بالانهيار والزوال؟
اسرائيل؟ لا! لبنان كشعب حيّ وعريق وضارب في القدم منذ ألوف السنين، وكشعب مبدع وخلاّق وشجاع، ابتكر الوسيلة والأساليب التي تمكّنت حتى الآن من ردع العدوان الاسرائيلي، عن طريق التفهّم والتفاهم بين جيشه ومقاومته وأطياف فاعلة في مجتمعه السياسي…
الارهاب؟ لا! وقد واجه لبنان عبر رصّ نسيجه الوطني في مواجهة أعتى أنواع الارهاب وأكثره وحشية وهمجية في التاريخ، وهو الارهاب التكفيري! وقد أريد لهذا النمط من الارهاب أن يكون جرثومة تنشر وباء يدمّر الأوطان والمجتمعات في لبنان والمنطقة العربية، ببث سموم الطائفية والمذهبية، تحت ستار الصراع القاتل على السلطة، وايقاظ الفتنة التاريخية بين السنّة والشيعة التي دمّرت الامبراطوريات العربية والاسلامية تباعا على مرّ التاريخ. وقد نجح لبنان بتصفية هذا الارهاب عسكريا وتحرير جروده من الاحتلال الارهابي التكفيري، ونجح حتى الآن بمحاصرة خلاياه النائمة عن طريق الحرب الأمنية الاستباقية.
المؤامرات الأجنبية لتقسيم القارة العربية الى كيانات سياسية متناحرة، والعمل على تفتيتها؟ لا، ولكن! هذا الخطر لا يزال ماثلا ومستمرا، أقلّه منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية. ومصدر هذا الخطر هو الاستراتيجية الأميركية الهجومية والعدائية، وبتحالفها مع الصهيونية العالمية، بهدف ضمان وحدانية القطب الدولي لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية! وهذه الاستراتيجية الأميركية – الصهيونية الخبيثة والفتّاكة، تعلن العداء الصريح لكل من يخالف ويختلف ويتمايز عن ايديولوجيتها الرأسمالية في العالم. وأخطر من ذلك انها تخدع من تسمّيهم حلفاءها، لاستخدامهم في خدمة مصالحها، وسرعان ما تتخلّى عنهم عندما يصيبهم الانهاك ويسقطون، في اطار أسلوبها المتّبع بتغيير الجياد عندما تشيخ وتنكسر، باطلاق رصاصة الرحمة عليها!
الخطر الحقيقي الذي يهدّد لبنان بالانهيار والزوال هو… الفساد! وهو ما كشفه وزير المال علي حسن خليل، وهو أكبر بكثير من مجرد فضيحة مزلزلة. ومصارحته اللبنانيين بعدم وجود قيود في دوائر الدولة، لا في وزارة المالية ولا في غيرها، لهبات وأموال تقدر بمئات ملايين الدولارات وتصل الى المليارات، ولا يمكن تعقب المستفيد منها، خلال فترة زمنية طويلة تتجاوز عشر سنوات ونيّف بل وأكثر! وهذه السرقات العلنية الفاحشة للمال العام، تمّ التستّر عليها وتمويهها على مرّ السنين، من قبل جهات سياسية نافذة داخل الحكم وخارجه! ولا يزال لبنان الى يومنا هذا يتحدث عن الفساد ولكن دون اعلان أسماء الفاسدين. وما لم يبدأ لبنان بإلقاء القبض على رأس كبير أو أكثر من رؤوس الفساد، ومحاسبتهم بمحاكمات علنية مجلجلة، ومصادرة أموالهم وأملاكهم وزجّهم في السجون، فان لبنان في الطريق الى أن يتحوّل الى دولة فاشلة سرعان ما يهدّدها الدمار والزوال!