IMLebanon

ما هو العدد الحقيقي للسوريِّين في لبنان؟

يظنّ البعض أنّ تدابير الحكومة على المعابر قبل 9 أشهر أوقفَت رقم النازحين عند المليون و300 ألف، وهو الرقم الذي أذاعته المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين آنذاك. لكنّ مسؤولين يؤكّدون أنّ الرقم ارتفع على رغم التدابير.

هناك أربعة عوامل تتحكّم بأعداد النازحين السوريين في هذه المرحلة:

1- إرتفاع عدد الوافدين بطرق غير شرعية، ومن خلال المعابر والممرّات الوعرة في الجرود الحدودية، حيث باتت هناك تجارة رائجة، روّادُها لبنانيون وسوريون، لإدخال السوريين والفلسطينيين مقابل مبالغ من المال.

2- هناك ارتفاع موازٍ بسبب الولادات الكثيفة التي يشهدها مجتمع النزوح في لبنان. وفي الإحصاءات أنّ أكثر من 50 ألف ولادة تمّت في صفوف النازحين منذ العام 2011 في لبنان.

3- في المقابل، هناك تراجع في الرقم بسبب إقدام السلطات اللبنانية على منع أعداد من النازحين من العودة إلى لبنان، بعد نزع صفة اللاجئ عنهم. والسبب هو أنّ هؤلاء استمرّوا في التنقّل بين سوريا ولبنان، ذهاباً وإياباً، خلافاً لقواعد اللجوء وقوانينه.

4- هناك تراجُع أيضاً بسبب إقدام أعداد من النازحين على التوجُّه إلى دوَل أخرى، أوروبية وأميركية خصوصاً، بطرُق شرعية أو غير شرعية. وهذا العامل تحديداً هو الذي يَستدعي من مسؤولي العواصم الأوروبية أعلى درجات الاستنفار، كبريطانيا وفرنسا، والتدخّل مع لبنان.

وفي الموازاة، يجدر التذكير بأنّ أعداد السوريين غير المصنّفين في خانة النازحين تزداد أيضاً.

في الخلاصة، يصعب تحديد السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية، والذين تتداخل صفاتهم بين النازح والعامل والسائح والمستثمر والمقيم في شكل دائم. لكن المفوّضية أشارت في تقاريرها إلى ازديادهم. كما أنّ وزراء في الحكومة يؤكدون أنّ التدفّق مستمر، وإنْ بوتيرة أدنى ممّا كان في السابق.

وأوقفت مفوّضية اللاجئين «عدّادها» الذي كانت تصدر تقاريره أسبوعياً، وبالتفصيل. وثمّة مَن يعتقد أنّ السبب هو حال الضياع الذي باتت تعيشه المفوّضية، وعدم قدرتها على تقديم إحصاءات دقيقة. لكنّ البعض يرى أنّ سكوت المفوّضية يبيِّت أهدافاً معينة.

ويدعم أصحاب مقولة «النيَّة السيئة» وجهة نظرهم بما فعلته المفوضية خلال الشتاء الفائت، إذ أدخَلت أعداداً من النازحين، متجاوزةً التدابير التي يتّخذها لبنان. واعترفَت ممثّلة المفوّضية نينت كيلي بأنّ نحو 42 ألف نازح تمّ تسجيلهم في الفصل الأوّل من العام 2015. وبرّرت ذلك بأنّ معظمهم كان قد وصَل إلى لبنان قبل التدابير الحكومية، وأنّ 6 آلاف فقط جاؤوا بعدها.

كما عمدت إلى تسجيل الولادات السورية في لبنان ضمن قيودها، بدل أن يتمّ ذلك لدى مرجعية السلطة السورية. وهذا ما أثار المخاوف من خلفيات توطينية قد تترتّب على هذا التسجيل. ففي إمكان النازحين السوريين تسجيل أبنائهم لدى مختار المحلّة أو الأمن العام أو ما شابه. لكنّ التسجيل لدى مرجعية دولية لشؤون اللاجئين يثير المخاوف من المطالبة لاحقاً بقيود رسمية لبنانية لهم، على رغم عدم توقيع لبنان اتّفاقية جنيف للعام 1951.

وهناك مَن يعتقد في لبنان أنّ بعض القوى الدولية الكبرى مرتاحة إلى أنّ لبنان والأردن يتحمّلان تبعات اللاجئين السوريين والفلسطينيين، بما ينطوي عليه ذلك من حصرٍ للمخاطر الأمنية والديموغرافية في هذين البلدين المجاورين لسوريا، بدلاً من انفلاشها إلى أوروبا والولايات المتحدة ودوَل أخرى.

وتخشى أوساط سياسية أن يؤدي الانتشار المكثّف للنازحين في لبنان والأردن إلى ضرب هذين البلدين كيانياً، وتسأل عمّا إذا كانت المفوّضية تنفِّذ، عن عِلم منها أو غير علم، مخططاً يقود إلى إعادة رسم الخرائط في الشرق الأوسط، بعد خلطِ الأوراق ديموغرافياً في بلدان تتداخل فيها الشعوب، من طوائف ومذاهب مختلفة. وأزمة النازحين هي الأداة الأمثل لتحقيق هذا الهدف. ولا حاجة إلى التذكير بهشاشة التركيبة الديموغرافية في كلّ من لبنان والأردن.

وفي الخلاصة، يقول المعنيون بملف النازحين في لبنان أنْ لا إحصاءات دقيقة للنازحين السوريين والفلسطينيين حالياً. والرقم الذي يتمّ تداوله حالياً (1.3 مليون سوري و600 ألف فلسطيني) هو رقم تقريبيّ ولا يشمل كلّ فئات السوريين والفلسطينيين الموجودين في لبنان. وفي أيّ حال، هو يقارب 50 في المئة من السكّان اللبنانيين.

لكنّ التقديرات التي يُجمِع عليها المعنيون تشير إلى أنّ الرقم الحقيقي وصَل مطلع 2015 إلى 2.5 مليون سوري وفلسطيني مقابل 4 ملايين لبناني (نحو 62.5 في المئة من السكّان). فهناك أكثر من 0.5 مليون سوري في لبنان بشكل عمّال مع عائلاتهم، ويقيمون في ورَش البناء والبيوت الزراعية والمصانع وبعض الأحياء السكنية. وفي البقاع والشمال خصوصاً، باتت هناك قرى سوريّة السكّان، وفيها نازحون لبنانيون.

وهذا النموذج قد يتعَمَّم على كلّ لبنان إذا طال أمد الحرب في سوريا، وهذا الاحتمال وارد. أمّا اليوم، فالرقم يتأرجح، خصوصاً بسبب إغراءات الهجرة إلى البلدان الغنية في أوروبا. لكنّ المؤكّد أنّ لبنان معرَّض للانهيار تحت ثقّالة النازحين… خصوصاً إذا نجَح الزوّار الأوروبيون في إقناع مسؤوليه بأن يأخذ في صدره أعباءَ اللجوء، مقابل حفنةٍ من الدولارات. وهذا الاحتمال وارد… بالتأكيد!