تبدأ في مجلس النواب غداً جلسات مناقشة مشروع موازنة العام 2017. ورغم ان إقرار الموازنة سيكون بمثابة خطوة للخروج من الحلقة المفرغة التي استمرت طوال 11 سنة، عاش خلالها البلد بلا موازنة، إلاّ ان ذلك ليس كافياً لتوصيف ما يجري بأنه انجاز.
الارقام التي سيناقشها النواب غدا في مشروع الموازنة الذي وزّع عليهم قبل نحو اسبوع، تتحدث عن نفسها. وبصرف النظر عن أي تفصيل، يبقى العنوان العريض الذي سيلتصق بذهن المواطن، هو ان حجم العجز السنوي، رغم كل ما قيل في الوفر الذي تحقق، سيبلغ 7 آلاف مليار و290 مليون ليرة، أي ما يوازي حوالي 4,9 مليار دولار.
هذا الرقم سيتحوّل الى دين عام اضافي. وهو الرقم المرجّح ان يرتفع قليلا في العام المقبل، بما يعني ان الوضع المالي متجه الى المصير المحتوم، وان النقاش يمكن ان يتمحور حول التوقيت وليس النتيجة.
هذه الوقائع لا تستطيع ان تخفّف من وطأتها وخطورتها ما يحاول البعض تصويره بأنه انجاز، للأسباب التالية:
اولا، لن يكون المواطن مهتما بتفاصيل المخرج الذي ابتكرته السلطة لتجاوز قطع الحساب، واذا ما كان قانونيا ودستوريا ام لا. هذا النوع من الاشكاليات اصبح آخر هم للناس، بعدما فقدوا الثقة منذ فترة طويلة بأن الالتزام بالقوانين والدستور مقياس يهتم لاحترامه من يقبض على السلطة.
وهناك قناعة مبرّرة، وعن حق، بأن الدستور بات يُستخدم وسيلة تفاوض، وتحوّل بفضل الممارسات المتراكمة والتجارب المريرة، الى مجرد وجهة نظر.
ثانيا، لن تكون ارقام الموازنة مؤثرة في الحياة اليومية، لأنها أرقام تتعلق بانفاق ومداخيل مرّ عليها الزمن. فالنواب سيرهقون أنفسهم بمناقشة ما يعتبر من الماضي، ولن تؤثر مناقشاتهم، من قريب او بعيد، باحداث تغييرات في واقع اصبح من الماضي، ولم يبق من الاموال المرصودة ما يصلح للنقاش والتغيير.
ثالثا، لن تغير نقاشات الموازنة في ملف الضرائب الذي يهتم له المواطن اكثر من أي شيء آخر، في هذا الملف. وحتى ما تتم تسميته اصلاحات جرى إدخالها، فانها تبقى مجرد اصلاحات نظرية غير كافية من جهة، وغير مضمونة في العام المقبل من جهة اخرى. وهي اشبه باصلاحات نظرية وضعت لمشروع انتهى، وتمثل مجرد طموح لمشروع مقبل غير مضمون.
رابعا، يأتي نقاش الموازنة في زمن دخل فيه البلد في الاجواء الانتخابية. وستكون النقاشات في المجلس النيابي مملة للناس، لأنها ستستخدم كمنبر للاطلالة على الناخبين، ومحاولة دغدغة مشاعرهم لكسب الاصوات.
وسيتنافس النواب، خصوصا مع وجود بند الصوت التفضيلي في قانون الانتخابات المقبلة، في الدفاع عن المنطقة التي سيترشحون فيها. وستكون مطالباتهم وانحيازهم خارج اطار المنطق، وغير صالحة للتطبيق. لكنهم مع ذلك سيطالبون وسيطالبون وسينتقدون، من باب الدعاية الانتخابية التي لا علاقة لها بعلم الأرقام والتوازن في مشاريع الموازنات.
بصرف النظر عمّا ستشهده الردهة الرئيسية في مجلس النواب ابتداء من الغد، فان ما هو مقلق للناس، هي الارقام التي لا يمكن تجميلها.
وبات المواطن يعلم ان وضع المالية العامة في مرحلة دقيقة. وبات يعلم ايضا من خلال التجارب، ان الطبقة الحاكمة لا تجيد معالجة العجز المتنامي سوى من خلال فرض الضرائب، بدليل الاسلوب الذي اعتمدته في تمويل سلسلة الرتب والرواتب، وفي محاولة لجم نمو العجز السنوي. وبات يعلم ايضا ان حجم الدين العام سيتجاوز المئة مليار دولار في غضون ثلاث سنوات، وربما اكثر بدليل الورقة التي قدمها قبل فترة رئيس البلاد.
وبالتالي، بات المواطن يعلم انه سيكون الضحية، وسيدفع الثمن من قدراته الشرائية ومستواه المعيشي، في السنوات المقبلة، بصرف النظر عمّا سيصدح به ممثلوه في المجلس النيابي غدا.