IMLebanon

ما علاقة السيستاني بسجن فاطمة؟

القاضي الشرعي الجعفري الذي قرر انتزاع طفل فاطمة حمزة ذي الثلاث سنوات من حضن أمه وتسليمه الى زوجة أبيه، ثم عاد فعدل عن قراره، قال أنه استند في حكمه الى فتاوى المرجع الشيعي علي السيستاني المقيم في النجف العراقية. أما القاضي المدني الذي أمر بسجنها لامتناعها عن تطبيق الفتوى والتخلي عن ولدها الى غيرها، فتمسك بتطبيق القانون بحذافيره. وكلاهما لم ينظر الى القضية من منظور الخصوصية، بل أدرجها في إطار عام، وطبّق عليها ما ورد في الفتاوى والكتب، وجرّدها من أي مضمون إنساني خاص.

هذه القضية التي لم تنته فصولاً بعد، تثير الكثير من الأسئلة لدى من لا يفهم ما علاقة السيستاني بوضع فاطمة وزواجها وطفلها، وكيف يمكن لفتاوى دينية عامة تستند الى معايير تتعلق أحياناً بمجتمعات أخرى أن تحدد مصير امرأة لبنانية وابنها لمجرد أنهما يتبعان، في الوثائق الرسمية في الأقل، لمذهب بعينه. وهو أمر لا تقوى فاطمة على تغييره حتى لو أرادت. فمن يولد في لبنان محكوم بأن يدرج في خانة إحدى طوائفه وأن يخضع لقوانينها وفتاواها، أياً تكن معتقداته الشخصية أو درجة التزامه ديانة هذه الطائفة أو أحد مذاهبها.

وقد يتساءل البعض كيف يكون السيستاني مرجعاً لمن لم يختره؟ ولماذا ليس هناك قانون مدني للأحوال الشخصية في لبنان يبتّ في مثل حالة فاطمة ويعالجها انطلاقاً من خصوصيات مجتمعها ومفاهيم حقوق الإنسان، مثلما هي الحال في الدول المتقدمة، والأوروبية منها على سبيل المثل؟

وقد لا تكون المشكلة هنا في المرجعيات الدينية ولا في عملها ولا مدى صحة فتاواها من عدمها، فهذا نقاش آخر. فالمرجعيات على اختلافها تقوم بما اختيرت من أجله، ولديها أتباع ومريدون يقبلون بما تفتي به وما تشور، على رغم أن بعضها يغالي في تجريد الأمور. بل المشكلة في أنه ليس هناك في مقابل القوانين الدينية، الإسلامية والمسيحية على السواء، أي قوانين وضعية مدنية تستند الى تطور المجتمعات على مر الزمن، وتنظم حياة من لا يرغب في أن تنطبق عليه قوانين كنسية أو شرعية.

وأكثر ما يعاني منه اللبنانيون الزواج المختلط بين أتباع مختلف الطوائف والمذاهب، فهؤلاء ما زالوا، على رغم تزايد عددهم، مضطرين الى السفر الى الخارج (قبرص هي الأقرب) لعقد زواجهم الذي يستحيل عليهم في معظم الأحيان إجراؤه في لبنان للأسباب نفسها التي تمنع أمّاً من الحصول على حضانة طفلها في شكل طبيعي، أو على حضانة مشتركة في الأقل، مثلما تقتضي مصلحة الطفل نفسه.

وحتى الآن، يحول عمق الانقسام الطائفي بين اللبنانيين، والتعبئة المستمرة داخل كل طائفة ومذهب، دون أي تلاق حول مفهوم قانون مدني للأحوال الشخصية يسهل أمور المواطنين ويحل نزاعاتهم بأدنى الخسائر. ويلقى هذان الانقسام والتعبئة رعاية ودفعاً من الأطراف السياسيين الممثلين لهذه الطوائف والمذاهب في الهيئتين التشريعية والتنفيذية (مجلس النواب والحكومة)، لأن القانون المدني قد يشكل نوعاً من التوحيد الوطني يخشون أن يتسع ليقضم من نفوذهم ومناصبهم وشرعية تمثيلهم.

لا تأخذ قوانين الأحوال الشخصية المعتمدة في لبنان التطور الاجتماعي في اعتبارها، وتصر على أن ما انطبق على مجتمع كان قائماً قبل ما يزيد عن الف عام، لا يزال صالحاً للتطبيق في أي مجتمع حالي، فتعامل المرأة بصفتها تابعاً ومواطناً من الدرجة الثانية وحتى الثالثة، وتحرمها من حقوق كثيرة، بينها حق حضانة أطفالها أو منحهم جنسيتها، وتطلب منها الانصياع لهذا الواقع المجحف باسم عدم معصية الدين. لكن فاطمة لم تنصع، وهناك نساء كثيرات أخريات سيحذون مثالها.