يستمر ملف النفايات في التقدم على ما عداه من ملفات رغم اقرار الحكومة خطة عاجلة للانقاذ يبدو انها وحدت الاطراف السياسية، فيما ادت الى انقسام هيئات المجتمع المدني حولها، محركة الاعتراضات في المناطق التي اختيرت على ان تكون مكبات ومطامر ما يستلزم عمليا وبحسب مصادر متابعة، تدخلا من قبل القوى الساسية التي ترعى تلك المناطق للضغط باتجاه تمرير ما اتفق عليه في خطوة تبرز مدى جدية الالتزام بالاتفاق الذي رعته طاولة الحوار ووجد ترجمته في مجلس الوزراء.
فالحكومة التي بتت الملف دون الخضوخ عمليا للعبة الشارع وحلت الموضوع في السياسة كما في كل المرات، لأن السياسة والحوار يحلان كل الامور داخل الاروقة والزواريب، ارضت كل مكوناتها ،من جهة، كما مجموعات الحراك المدني التي برزت اصلا وتحركت بسبب تراكم النفايات في الشوارع، وان ليس بالطريقة التي رغبت بها، ما يعني عمليا توقف التظاهر لأن ملف النفايات انتهى وبدأ التطبيق على الأرض بحسب المصادر، إلا إذا رغب الحراك في الاستمرار بتحركاته لأهداف اخرى كإسقاط الطبقة السياسية والدخول في أتون السياسة كملف رئاسة الجمهورية وغيره من الملفات، علما ان انتكاسة الحركة الاحتجاجية التي تضاءلت أحجام المشاركين فيها بشكل بارز، يضعها امام اختبار دقيق حيال مدى استمرارها وزخمها في المرحلة المقبلة، دون ان يعني ذلك ان القوى السياسية والحكومة ستكون في موقعٍ مرتاح، بما يعني ان اتباع خطّ التوافق واستكماله لتفعيل العمل الحكومي، سيكون امراً لا مفر منه، اذ ان الجميع يدركون ان اشتعال موجات احتجاجية جديدة، سيكون امراً وارداً في اي لحظة، مما يضع البلاد امام استنزاف اضافي طويل، خاصة بعد دعوة البطريرك الماروني المحتجين الى تصويب مسارهم باتجاه الضغط لانتخاب رئيس للجمهورية.
المصادر اشارت الى ان ما حصل خلال الايام الماضية، شكل دليلا واضحا على وجود «قطبة مخفية»، تستهدف «تدفيع» وزير البيئة ومن خلفه رئيس الحكومة ثمن التقصير السياسي عن القرار الحاسم لإنهاء أزمة النفايات، فيما حصد الوزير الاشتراكي الذي كلّفه رئيس الحكومة هذه المهمة نتائج التوصل قسراً الى التوافق السياسي، الذي تم التوصل اليه بخطوطه العريضة بين مختلف القوى السياسية الممثَّلة في الحكومة، قبل انعقاد الجولة الاولى من الحوار، والتي كرّست خريطة الحلّ وأتاحت تبنيها في مجلس الوزراء، بعدما استشعرت القوى السياسية خطورة ترك أزمة النفايات عالقة على القرار السياسي المفقود، لذا كان القرار بتحييد أزمة النفايات عن الصراعات السياسية، الذي ترجم في انعقاد الجلسة الاستثنائية للحكومة، بتمثيل نصفي لوزراء التيار الوطني الحر وحزب الله في موقف يبقي تحفظهما عن حضور الجلسات الى حين بت آلية العمل، متيحا في الوقت نفسه تمرير خطة النفايات، بما لا يَظهر معه الحليفان في موقع المعرقل للخطة الملحة، رغم تحفظات الفريق البرتقالي، مستدركة بان الاختبار الحقيقي والحاسم لاتفاق القوى السياسية، يبقى في مدى التزامها بتسهيل تنفيذ الخطة متكاملة التي حازت غطاءها، والذي يفرض بداية تدخل الجهات الفاعلة مع المعترضين في مختلف المناطق التي اختيرت فيها المطامر للحؤول لتمرير المرحلة الاولى من الخطة.
من جهتها اكدت المصادر ان المتسبب الاول في مشكلة النفايات هو الثنائي الحريري – جنبلاط ، الذي رفض عام 2010 طرح الوزيرين باسيل وصحناوي، يومذاك، تحويل اموال البلديات المقتطعة من اموال الخليوي للجهات المعنية لاستخدامها في حل «معضلة النفايات»، نتيجة المصالح المشتركة التي غطت مخالفات «سوكلين» التي تمنعت طوال السنوات الماضية عن الالتزام بدفتر الشروط المحدد، ما عزز الهدر والسمسرات، وتتابع المصادر ان المشكلة كانت وستبقى لدى «مافيا النفايات» المعروفة بالأسماء التي خاطرت بصحة الناس من أجل تمرير مناقصة شركاتها، قبل أن يجهض تحالف التيار الوطني الحر وحزب الله وحلفائهما المناقصة الحكومية، والذين ما زالوا مصرين على عدم تحويل عكار وحدها إلى مزبلة لكل لبنان، أما وقد تم توزيع المطامر بحسب المناطق فلا مشكلة من توزيع النفايات لمدة قصيرة ريثما تقوم البلديات، بحسب إمكاناتها، بمحاولات المعالجة.
في هذا الاطار استغربت المصادر تخلي المستقبل عن ورقة النفايات لمصلحة الاشتراكي، لافتة الى انه وبعدما كان بالامكان نسب هذا الانجاز للتيار الازرق ورئيس الحكومة، تم اعطاء فرصة قطفه للنائب وليد جنبلاط من خلال ترؤس الوزير شهيب للجنة، الامر الذي اثار الشكوك عن السبب الحقيقي وراء تاجيل بت الحل، وعن المستفيد الفعلي من الفوضى التي تعيشها البلاد، والتي دفعت بالرئيس سلام الى ابداء اعتراضه وامتعاضه امام احد السفراء، متسائلا عن اهداف المستقبل من اضعافه في الشارع، رغم ان خطة شبيهة لتلك التي وضعها الوزير شهيب، كان اقترحها الوزير المشنوق منذ تموز الماضي، والتي قامت على مرحلة انتقالية تمتد 6 أشهر يتم خلالها توزيع 2500 طن يوميا من نفايات منطقة خدمات «سوكلين» التي انتهى عقدها لتوزع على الشكل الآتي : 600 طن لمطمر الناعمة و200 طن لمكب برج حمود و200 طن لمعمل صيدا و200 طن لمكب النبطية و200 طن لمجدليا و500 طن لسرار في عكار و500 طن لبر الياس وزحله، على قاعدة »الأفضل اختيار أماكن ملوثة بالنفايات وتحتاج إلى معالجة على أن يتم اختيار أماكن جديدة بشكل عشوائي فتتفاقم الكارثة«، متسائلة عن دور اللجنة التركية، التي حضرت الى بيروت بتكليف من رئيس الحكومة داود اوغلو بناء لطلب لبناني ، في الخطة خاصة لجهة تحديد اماكن توزيع المطامر ، بعدما كانت قامت بمعاينة اكثر من منطقة بحجة الكشف الميداني والمعاينة.
حركت جلسة مجلس الوزراء ركود الحكومة، فأجمعت على استثناء اتى باستثناء، اجتياز سياسي لخطة الوزير اكرم شهيب في ملف النفايات، على وقع تحفظات اولها حول آلية عمل الحكومة، وثانيها حول ما وصفه البعض بالطروحات الغامضة في الخطة. فخطة شهيب عبرت سياسيا لتعرقل شعبيا. فحسابات حقل مجلس الوزراء لم تطابق حسابات بيادر الحراك المدني، الناعمة ترفض اعادة فتح المطمر ولو ساعة، عكار ترفض ان تكون مزبلة، والمصنع لن يسمح بوصول الشاحنات. ومع هذا المشهد الاحتجاجي، هل ستستطيع الخطة العبور فوق الغام التوزيع المناطقي؟ ام ان كل شيء قابل للحل متى وجد القرار السياسي؟وماذا يعني هذا الرفض المثلث واذا كانت خطة شهيب قد حازت الغطاء السياسي فكيف ستتخطى الحراك الرافض؟