وصية هيل «نحب بلدكم.. حافظوا على مؤسساتكم»
ما سرّ «الهجمة العاطفية» الأميركية على لبنان؟
سؤال تفرضه مجموعة مشاهد اميركية على المسرح اللبناني، تجهد الصالونات السياسية، في نبش دلالاتها، ومحاولة فك ألغازها.
الاول، يتصل بالسفارة الاميركية، حيث يكشف مرجع لبناني انها ستكون الموقع الاميركي الاكبر في كل المنطقة، والاكثر تحصينا والأغنى بالتجهيزات والتقنيات، التي يتعدى استخدامها مساحة لبنان الصغير، الى ما هو ابعد واوسع من ذلك بكثير. واما كلفة انشاء مبنى السفارة، فيؤكد مرجع لبناني كبير، أنها تقارب المليار دولار! فلماذا تقام مثل هذا السفارة، ولأي دور؟
الثاني، الحرص على ترسيخ التعايش بين القوى السياسية اللبنانية، ومنع تفاقم الاشتباك السياسي. وكبح من يُعتبرون حلفاء واشنطن، عن ان تأخذهم حساباتهم الى ارتكاب مغامرات مكلفة، تجاه اي طرف لبناني آخر. من هنا كانت الشراكة الاميركية المباشرة في تقليع الحكومة الحالية وصياغة بيانها الوزاري (بند المقاومة)، وكذلك الحرص على عدم انهيارها، والنصائح المتكررة للحلفاء، عبر السفير الاميركي في لبنان سابقا دايفيد هيل، بمحاذرة المغامرات وسلبياتها، وتجنب اي تفكير بأية محاولة عزل، او استفراد، او استفزاز لـ «حزب الله».
الثالث، الحرص على الاستقرار الداخلي، عبر فتح العين الاستخباراتية على الداخل اللبناني، رصدا للمجموعات الارهابية و «بنك الاهداف» الذي تعده، وبالتالي ارشاد الاجهزة الامنية اللبنانية الى الارهابيين الخطيرين.
الرابع، محاولة توسيع مساحة الانفتاح على القوى السياسية، وخصوصا على من هم «خصوم واشنطن»، وثمة زيارات ديبلوماسية متتالية لقيادات في «8 اذار»، وكذلك لابناء تلك القيادات، وثمة لقاءات علنية تتم في المطاعم والمقاهي، والصالونات ولدى اصدقاء مشتركين.
في تلك اللقاءات يأتي الكلام الاميركي هادئا، وهادفا للانفتاح المتبادل، والاهم انفتاح اللبنانيين على بعضهم، على قاعدة الاستفادة من التجارب. لكن الكلام الاميركي يوحي بأن اللبنانيين لم يتعلموا من التجربة. وثمة مثال على ذلك، وفيه ان مسؤولا لبنانيا سابقا (يلمح صاحب الرواية الى فؤاد السنيورة)، زار واشنطن مؤخرا، وهناك نُظِّمت له لقاءات مع شخصيات اميركية، وفي هذا اللقاء جرى الحديث عن لبنان، ففوجئ بسؤال من شقين من احدى الشخصيات:
ـ انت شغلت يوما وزارة المالية، واعتمدت سياسات مالية واقتصادية متهمة بأنها سبب الازمة الاقتصادية في لبنان، فهل انك لو عدت وتوليت المسؤولية، تعود لممارسة ذات السياسة ام تعتمد سياسة بديلة بالاستفادة من السياسة السابقة؟
ـ انت كنت رئيسا للحكومة اللبنانية في ايار الـ2008، والتي اتخذت قرارات معينة استغلها «حزب الله» للقيام بعملية 7 ايار، فهل لو عدت وتوليت المسؤولية، تعود الى ممارسة ذات السياسة ام تعتمد سياسة بديلة بالاستفادة من التجربة؟
يقول الراوي الاميركي إنه بعد هذين السؤالين، فكر المسؤول اللبناني السابق لثوان، ثم التفت الى صاحب السؤال وقال: اكرر ذات السياسة!
الخامس، ارتفاع منسوب العاطفة الاميركية تجاه لبنان في الآونة الاخيرة. دافيد هيل ابلغ مودعيه «لقد احببت لبنان، ولهذا البلد دور كبير جدا في حياتي.. وانا اغادر حزينا، فبلدكم جميل، ولنا ذكريات جميلة فيه». ثم طمأن إلى مستقبل لبنان، «فواشنطن لن تتركه، وسيبقى في عين رعايتها». وانهى كلامه بـ «وصيّة»، مفادها: «واشنطن تتمنى ان يحافظ اللبنانيون على بلدهم، وعلى مؤسساتهم الدستورية.. هي تريد ان ينتخب اللبنانيون رئيسا للجمهورية في اسرع وقت ممكن، وان تتذلل كل العقبات والصعوبات التي تحول دون ذلك».
ولأنه يدرك ان فرصة انتاج رئيس جمهورية صنع في لبنان، منعدمة، نصح اللبنانيين بـ «مغادرة الانتظار السلبي، الى ما هو اجدى، فواشنطن مع ان تعود المؤسسات اللبنانية كلها الى العمل بشكل طبيعي. وهي تشجع اللبنانيين على اعادة الحياة الى الحكومة ومجلس النواب».
ولم تكن عاطفة هيل منعزلة عن عاطفة «البيت الابيض»، التي تلقاها لبنان مطلع الشهر الجاري، فآخر تشرين الاول الماضي، اشاد الرئيس الاميركي باراك اوباما بلبنان، واعلن انه وافق على تكثيف الدعم للبنان لمحاربة تنظيم «داعش»، بما في ذلك تعزيز المساعدات العسكرية وكذلك المساعدة الانسانية.
بعد يومين من اعلان اوباما، طلب ديبلوماسي اميركي موعدا مستعجلا من مسؤول لبناني كبير، وفي اللقاء بينهما تبلغ المسؤول اللبناني رسالة مفادها «انا مكلف رسميا من قبل البيت الابيض، ان ازورك لانقل اليك ان واشنطن مهتمة بلبنان اكثر من اي وقت مضى. وهي تريد ان ترى الاستقرار دائما في لبنان. كما ان واشنطن تدرك حجم العبء الذي يتكبده لبنان، سواء في موضوع الحرب على الارهاب وكذلك في موضوع مواجهة ازمة النازحين السوريين، وهي تدرك ان لبنان يتكبد ثمنا اكبر من اية دولة اخرى، ولذلك فإن واشنطن قررت زيادة مساعداتها للبنان في المجالات كافة، وكذلك مضاعفة مساعداتها العسكرية للجيش اللبناني، وسيظهر ذلك جليا وبشكل ملموس في القريب العاجل».