Site icon IMLebanon

ما سر البلاهة في السياسة؟

لكل مهنة سرّها. مهنة السياسة في لبنان التفاهة والبلاهة. كلتاهما مصطنعة إذ لا يعقل أن يكون الفريق الذي يقود لبنان ويقرر (أو لا يقرر) مصيره على هذا المستوى من الخفة.

لا شرعية مجلس النواب أمر مفروغ منه؛ كذلك لا شرعية الحكومة. كان ضرورياً من أجل إنتاج لا شرعية النظام إفراغ رئاسة الجمهورية. اقتلعت الديموقراطية من جذورها. ممنوع على اللبنانيين أن يصوتوا (ينتخبوا)، وممنوع على النواب المنتخبين أن ينتخبوا. كل هؤلاء موظفون، على أن الموظفين الرسميين أكثر كفاءة وذكاء منهم بكثير. هم يديرون الدولة الآن وليس الحكومة أو مجلس النواب. هذان مخصصان للبلاهة والتفاهة.

ما يرتكبه أهل السياسة، قادة نظام الدولة، يفوق القصور في البلاهة والتفاهة مع فساد على المكشوف كي يرى الجميع. فكأن أهل السياسة يريدون تحدي المجتمع. وهذا المجتمع يحتج فكأنه يئس من الأفضل.

يكفيك أن مجلس الوزراء لا يمكن أن يستقيل؛ مع تصريف الأعمال يأتي عصر جديد من التفاهة. فالمجتمع الذي لا يريد أن يكون راضياً عن الحكومة، لا يستطيع إسقاطها خوفاً من الفراغ. وجودها أصلاً فراغ. بالاستقالة تنتقل الحكومة إلى تصريف الأعمال، والفرق قليل بين ذلك والحالة الراهنة. ومجلس النواب ينتخب نفسه؛ يحرم الناس من إمكانيات التغيير والإصلاح والتطور. سحبت الديموقراطية من يد الشعب الذي يعرف ذلك فلا يفعل شيئاً، لذلك تبدو حركات الاحتجاج باهتة.

نعود إلى البلاهة والتفاهة. لا يعقل أن تجري إدارة شؤون الدولة بهذا الشكل، ولا يعقل أن تجري مناقصات الهاتف والنفايات بهذه العشوائية الظاهرة، وتداخل السياسة في القانون والتقنيات، حتى أصبح المواطن لا يدري عصا من في مؤخرة من. ما يذهل ليس الفساد، فهذا أمر اعتاد الجميع على مشاهدته من دون غضب كبير. أما أن يقترن ذلك بالبلاهة والتفاهة وعدم الإنجاز فهو الأمر المدهش والمذهل. صار عدم الإنجاز هدفاً للسلطة في لبنان. تحتقر الكفاءة بمقدار احترام العجز والشلل والامتناع عن أخذ القرار. هم ما زالوا «شاطرين» في عقد المؤتمرات الصحافية والعرير واتهام الناس بالغشم. انقضى زمن كان أدب رجال السياسة محاولة تمثيل الناس، أو الأقل إيهامهم بذلك. صاروا الآن يهينون الناس. ويستهينون بذكائهم؛ صار أهل السياسة طبقة مستقلة، واستقلالها مرهون ومشروط ببقائها، والبقاء ضروري من أجل أن لا «يفرط البلد». قدرنا أن تحكمنا البلاهة والتفاهة. لماذا؟

في السياسة حد أدنى من الإنجاز والحوار من أجل التفهم والتفاهم. ما دمت أنت معرضا للتغيير، أو الاستغناء عنك، فأنت مضطر لبعض الإنجاز وبعض الإفهام على أمل أن تعود إلى المنصب الذي تشتهيه. هذه الشهوة لدى أهل الحكم أصبحت تلبيتها لدى أهل السلطة بحكم القدر، بحكم الفراغ، والتمديد، والحكومة التي لا يمكن تغييرها، إلا لتصريف الأعمال؛ وليتها كانت تصرف الأعمال في وضعها الحالي.

يمكن الإجابة على سؤالنا السابق «لماذا» بسؤال آخر: هل المطلوب أن تنقطع السياسة، وإذا انقطعت تستكمل بغير السياسة؟ يقولون إن الحرب (التي ينفذها العسكر) هي استكمال للسياسة بوسائل أخرى. هل المطلوب أن يصاب اللبنانيون بيأس قاتل فيقبلون بأي وضع آخر يفرض عليهم من الخارج أو من الداخل؟ هل المطلوب أن يرضى اللبنانيون بما كان يعتبر مستحيلاً في ظل النظام الطائفي؟ هل المطلوب الانتقال إلى أسوأ أنواع الحكم؟

يتحدث البعض عن مؤتمر تأسيسي. وهذا يأتي عادة بعد انقلاب الأمور على أساس أن الأوضاع السابقة لم تعد تطاق. فهل المطلوب من الوضع الحالي السياسي إنتاج وضع لا يطاق؟ وإذا لم يعد الأمر يطاق فمن سيأتينا بالحل الذي لم نستطع التوصل إليه من خلال مؤسسات ديموقراطية؟

أسئلة كثيرة نخاف الجواب عليها. صرنا دولة فاشلة. وهذه لا يمكن ضبطها إلا بالقوة؛ أي بتحقيق غلبة من نوع جديد، نوع غير طائفي؛ إذ أن الطائفية تجعل الغلبة غير قابلة التحقق. هناك تناقض بين السياسة والنهج الانقلابي (الذي بشّرنا به ميشال عفلق منذ زمن طويل).

تقوم السياسة على التراكم، تراكم التسويات، وتقوم الروح الانقلابية على الحل بالقوة: العودة دائماً إلى نقطة البداية، وإلغاء التراكم السابق، وافتراض أن الانقلاب على أنفسنا مطهر، يريحنا من آثامنا وجرائم نظامنا.

أفلح أهل السياسة عندنا في إنتاج دولة فاشلة بواسطة البلاهة والتفاهة، فهل يكون ذلك مقدمة لما هو آت؟ الآتي أعظم؟

يفترض باللبنانيين أن يكونوا أذكى من ذلك. أم أنهم أذكياء خارج لبنان فقط؟