لا يتزود بعض اللبنانيين بالتيار الكهربائي في بعض المناطق لأكثر من ساعتين، وربما أقل خلال الـ 24 ساعة ولا سيما في بعض المناطق المحيطة ببيروت!
الاكثر صعوبة من ذلك ان هذه القاعدة باتت بحكم المكرسة منذ عدة سنوات، مع كل صيف حار، وعند كل موسم شتاء بارد… أي خلال ما يسمى بأشهر الذروة عندما تصبح الكهرباء حاجة ماسَّة لتبريد الجو او لتلطيفه، او لحفظ المأكولات وغيرها، في شهري تموز وآب من كل عام، وخلال شهري كانون الاول والثاني وشباط في فصل الشتاء حيث تصبح الحاجة أكثر إلحاحاً للمدافىء ومعظمها كهربائية في المناطق الساحلية.
قد تكون أزمة الكهرباء المتمادية منذ أكثر من 26 عاماً، في لبنان واحدة من الازمات المتراكمة والمتعددة الوجوه بما يعكس الفشل الذريع لدولة الطائف ومواقع النفوذ والقوى التي أفرزها ذلك الاتفاق الشهير الذي أرسى معادلات غريبة وبعيدة كل البعد عن المنطق، ولكن حاجة الناس الملحة الى التيار الكهربائي الذي بات من أساسيات كل منزل ومقهى وساحة ومحل ودسكرة ومكان، يجعل الناس يصرخون في صمتهم من شدة الألم، ويكظمون غيظهم، ويراكمون الاحقاد في صدورهم، والاحتقانات في نفوسهم، الى يوم الاطاحة بهذا النظام اللئيم، الذي يمضي باستهتاره وعدم تجاوبه، وعدم سماعه أنين الغاضبين ممن جربوا كل وسائل وآليات الاحتجاج العنفية بدءا من احراق الدواليب الى قطع الطرقات مراراً، احتجاجاً على قطع الكهرباء وهو ما أدى الى سقوط 9 شهداء وعدد من الجرحى في منطقة الشياح – مار مخايل، ذات يوم حار من أيام صيف العام 2007 خلال احدى التظاهرات الاحتجاجية التي تم في خلالها احتكاك بين المتظاهرين المحتجين على انقطاع الكهرباء والجيش في حينه.
وفيما يبدو ان اللبنانيين سلموا بقناعة مفادها ان السلطات السياسية اللبنانية باقية في هذا المسار في ما يتعلق بالكهرباء، الذي كلف الخزينة اللبنانية حتى اليوم ما يفوق الـ23 مليار دولار أميركي، لا بل إنها مصرة على عدم سلوك سواه، لغايات في انفس القوى السياسية التي تناوبت جميعها على تسلم الوزارة المعنية بهذا الملف الشائك من دون ان تغير شيئاً ولو يسيراً حتى في ما يتعلق بالتركيبة القائمة في مؤسسة كهرباء لبنان، أو ان تتخذ حتى إجراءات ولو شكلية، او ان تعالج جذريا مشكلة الكهرباء وهي معالجة لا تحتاج الى كثير صرف او عناء، بحسب ما يجمع كل الخبراء والمعنيين على تأكيده، حيث يقول أحد الرسميين الذين عملوا في هذا الملف ان السياسيين على اختلاف قواهم لا يريدون تزويد لبنان بالتيار الكهربائي 24/24 ولا يريدون انهاء معاناة اللبنانيين في هذا الاطار، وهم الذين يصرون على ابقاء الامور كما هي عليه اليوم، ولو توافر القرار بتوفير الطاقة 24 / 24 لكان الموضوع انتهى منذ زمن بعيد، لكن كل ما جرى حتى اليوم ان الجميع مصر على ابقاء الكهرباء كمغارة علي بابا التي تتغذى منها صناديقهم السوداء، من خلال الاستفادة الدائمة من عمليات السمسرة والعمولات سواء في عمليات شراء الكهرباء واستجراره من الخارج او استئجار البواخر المولدة للتيار او حتى التفاوض على الشراء او الانتاج او غيرها من امور متعددة الاوجه وصلت الى درجة مشاركة اصحاب المولدات الكهربائية في الاحياء بحصص معينة تفرضها الكوادر الميدانية في بعض الاحياء، وهذا بالذات ما يجعل انقطاع التيار الكهربائي حاداً خلال اوقات الذروة، بهدف الضغط على المواطنين للاشتراك مع المولدات التي يطلب اصحابها من المسؤولين قطع التيار لأكبر عدد ممكن من الساعات بهدف «التشريج» الاضافي في ساعات تزويدهم بالكهرباء المنتجة وبأسعار عالية طبعاً تتيح تخصيص نسب معينة لقوى الحماية والنفوذ.
تفصح اوساط المسؤولين الناقمين على ما آلت إليه أوضاع الكهرباء في لبنان، عن المستور بالقول: لو أراد السياسيون اللبنانيون تسوية ملف الكهرباء بمعالجة جذرية لما احتاجوا الى أكثر من جعل كهرباء زحلة نموذجا عمموه على كل لبنان. ففي زحلة وجوارها ينعم المواطنون بكهرباء دائمة وبأسعار مقبولة.
وهنا تعود بنا الذاكرة الى تصريح كان أدلى به الرئيس الايراني السابق أحمدي نجاد قبل نحو 8 سنوات خلال زيارته الى لبنان والقائه محاضرة في الجامعة اللبنانية قال فيه للمسؤولين اللبنانيين ان مبلغاً موازياً لما تصرفه حكومتكم على الكهرباء خلال سنة واحدة يمكنها من بناء محطة نووية للطاقة الكهربائية تكفي كل حاجات لبنان من التيار بشكل دائم، علماً أن انتاج الكهرباء من الطاقة الذرية يكون سبعة اضعاف انتاج الكهرباء من سواها.
لماذا يحدث كل ما يحدث في الكهرباء؟ وأين هي ضمانة الفقراء الذين لا يتحملون تكاليف الاشتراكات وينتظرون كهرباء الدولة ويعيشون عليها؟ والى متى ستستمر أزمة انقطاع التيار الكهربائي في لبنان لهذه الاوقات الطويلة؟ وما هي أسبابها الفعلية؟ ومن هي الجهة المخولة النظر بعين الرحمة والرأفة وبمنطق الدولة الخاضنة، للمواطنين العزل؟ وأسئلة أخرى عديدة توجهنا بها الى مصدر مسؤول في مؤسسة كهرباء لبنان فقال، ان المشكلة ليست عندنا. فالمشاريع والخطط للنهوض بالقطاع وتسييره، موجودة لدينا، ولكن الجهات المعرقلة هي خارج اطار المؤسسة ولا جواب لدينا عن اسباب هذه العراقيل التي توضع بشكل متعمد.
نغوص في الحديث والتفاصيل مع المصدر المسؤول في المؤسسة فيبلغنا بصراحة ان الكهرباء في لبنان لا ينقصها سوى القرار السياسي الجامع.
نفهم من خلال حديثه انه لا يريد القول مباشرة ان السياسيين هم من يرفضون انتظام عمل الكهرباء في لبنان، لكي لا يشتبك معهم بتهمة كشفه فضائحهم… نسأله مواربة عن قصة الانتاج فيجيب لبنان بحاجة الى اكثر من 3200 ميغاواط من الكهرباء، ونحن الان لدينا مصادر انتاج تعطي بمجملها، حوالى 1700 ميغاواط، هذا اذا كانت كل ادوات الادوات تعمل بشكل سليم ومنتظم، لكنك تتعاطى مع ماكينات وهي عرضة للتعطل في اي لحظة، بمعنى اننا في الحالات العادية نستطيع ان نزود المواطنين بالطاقة حوالى 14 ساعة، لكن عندما تتعطل احدى مجموعات الانتاح او جزء منها خلال اوقات الذروة، المضافة الى الاستهلاك الاضافي الناجم عن النزوح السوري الى لبنان الذي يزيد في الاستهلاك من جهة ويزيد من الاعباء المالية على المؤسسة من جهة ثانية، اضافة الى التعديات على الشبكة العامة خلال اوقات الذروة، وبسبب الضغط الناجم عن الاستهلاك للطاقة، عندها تضطر المؤسسة الى زيادة ساعات التقنين والتقليل من ساعات التغذية بالتيار لا بديل عنه ريثما يعاد اصلاح الات الانتاج من جديد. وهذا ما حصل منذ مدة، في المناطق التي تتغذى من المجموعة الاولى في محطة الزهراني التي أصابها عطل طارىء يعمل الان على اصلاحه، وهذا ما ادى الى زيادة التقنين بشكل قاس على المواطنين في بعض المناطق لكن عملية اصلاح الاعطال في هذه المحطة ستنجز خلال اواخر الاسبوع الجاري انشاء الله ونعيد حوالى 200 ميغاواط الى العمل اي نصف ما تنتجه المحطة، ونعد المواطنين بأن ساعات التغذية بالتيار ستعود الى ما كانت عليه قبل هذا العطل خلال نهاية الاسبوع او مطلع الاسبوع المقبل على ابعد تقدير.
كما كشف المسؤول ان المشكلات التي تعتري سيرورة العمل في معملي دير عمار والجية، اللذين تم تطويرهما ويمكن زيادة الانتاج من خلالهما وتحسين وضع الشبكة، ليست لدى مؤسسة كهرباء لبنان انما خارجها، واشار الى ان معملي الذوق والجية باتا جاهزين تماما، ويمكن ربطهما بالشبكة في اي لحظة لكن ثمة مشكلة تلزيم عقد الصيانة والتشغيل والتجهيز، لم ينل الموافقات اللازمة بعد، رغم انه خرج من المؤسسة في كانون الثاني من العام الجاري، وبالتالي فان المشكلة في هذا الاطار ليست لدينا، بل لدى السلطات الاخرى. وكذلك فإن معمل دير عمار رغم انه انجز الا انه لم يبدأ بالتشغيل بعد لأسباب خارج ارادة المؤسسة».
وقد علمنا ان معمل دير عمار تم تطويره فعلا وزيادة مجموعات الانتاج فيه، ولكن اسباب توقفها عن الانتاج حاليا تتمثل في الخلاف الناشئ على خلفية ضريبة القيمة المضافة بين الحكومة اللبنانية وبين الشركة الاجنبية التي التزمت التنفيذ، والتي لجأت للتحكيم الدولي على ما يبدو، وهذا يعني انها ستكلف الخزينة اللبنانية مبالغ طائلة، ليست في حسبان احد.
بين كلام المصدر المسؤول في مؤسسة كهرباء لبنان المطمئن واجراءات السياسيين وعرقلاتهم الدائمة وسمسراتهم وحرصهم على الابقاء على الاوضاع على ما هي عليه اليوم، يبقى اللبناني المسكين معلقاً على تيار الامل بعودة الكهرباء يوماً الى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الاهلية في العام 1975 حيث كان ينعم بكهرباء دائمة، وكان لبنان يومها يبيع الكهرباء لسوريا. اما اليوم فبات حلم اللبنانيين في العودة الى ما كانوا عليه قبل 42 عاماً!