لبنان دولة تنهار على البارد… ومع ذلك، فقد سبق وتعرض البلد الى اعصار دموي عاصف استمر لنحو عقد ونيف، وتعرض لحرب داخلية مدمرة، ولكنه خرج منها قطعة واحدة وإن مثقلاً بجروح بليغة، وبمضاعفات لا تزال تتفاعل الى يومنا هذا. ولو تعرضت أية دولة الى أوضاع مشابهة لما يعانيه لبنان اليوم أو ما عاناه بالأمس غير البعيد، لسقطت واندثرت وزالت عن الخريطة. وهذا الواقع يطرح سؤالاً محيراً: ما سر هذا البلد الذي يهتز كثيراً ولكنه لا يسقط؟ وكيف يمكن لدولة بحجم لبنان تتناوب عليها الأزمات العاصفة سواء أكانت باردة أم ساخنة، ثم تستمر بالوجود، وتتصرف فيها الطبقة السياسية ببرود، ولسان حالها يقول: يا جبل ما يهزك ريح!
***
قبل الحرب ١٩٧٥ – ١٩٨٩ كانت فلسفة الحكم تقوم على قاعدة أن قوة لبنان في ضعفه، من دون أن يتمكن أحد من شرح معنى هذه المقولة، أو إثبات مقدار صحتها. وبعد الحرب، تم ابتكار فلسفة جديدة تقول على النقيض، إن قوة لبنان في قوته، وابتكرت ما عرف لاحقاً ب المعادلة الذهبية القائمة على ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة. غير ان الرئيس السابق ميشال سليمان الذي تعرض عهده الى كثير من البهدلة والشرشحة، ختم عهده من وحي تلك الأجواء وأطلق عليها تسمية المعادلة الخشبية! وكان ذلك بداية مرحلة الضياع والفراغ والشلل المسيطرة علي البلد منذ ذلك الحين!
***
يبدو أن الواقع السياسي في لبنان والمنطقة والعالم، يعيدنا اليوم الى مقولة قوة لبنان في ضعفه ولكن من منطلق آخر… ذلك أن التركيبة الطائفية الفريدة في لبنان، فرزت نوعاً من الصمغ اللاصق غير المنظور بين قياداته السياسية – الطائفية، يشدهم الى بعضهم بعضاً، بمن في ذلك المتنافرين في ما بينهم! وعلى الرغم من طوفان الكوارث والفضائح والأزمات على تنوعها والتي تعرضه للاهتزاز العنيف، فإن البلد لا يسقط لأن زعاماته المتلاحقة تشكل في ما بينها جداراً ثابتاً مستعصياً على السقوط! وبهذا يتحول مصدر الضعف فيه الى نقطة قوة… ولو مرحلياً!
***
ليس هذا هو الوقت المناسب للانهيار! واذا انهار لبنان اليوم فإنه لن يجد من يلمّه، لأن المنطقة كلها في وضع انهيار مشابه وإن في ظروف مختلفة، والنظام العربي بكامله يهتز. والتغيير نحو أفق جديد لن يحدث الا بعد أن تنكسر الحلقة المفصلية التي تمسك بالوضع العربي الراهن. وبعد أن تنكسر هذه الحلقة، سيبزغ فجر جديد في لبنان والمنطقة العربية…