لا مجال للخطأ في قراءة المعادلة: اذا كانت مواجهة داعش حرب خيار بالنسبة الى التحالف الاقليمي والدولي بقيادة أميركا، فإنها بالنسبة الينا حرب ضرورة، لا فقط في العراق وسوريا حيث يوسع التنظيم الارهابي مساحة دولته. وفي لبنان حيث الحديقة الخلفية لتلك الدولة، بل أيضاً في كل البلدان العربية والاسلامية. لكن نجاح المواجهة، سواء تطلب الأمر شهوراً أو سنوات، يحتاج الى أكثر بكثير مما يفعله التحالف في الجو وما نفعله نحن على الأرض. والأساس هو الطابع الوطني للمواجهة. فلا شيء يقوي داعش أكثر من أن نلعب نحن حسب القواعد التي يفرضها التنظيم المتشدد والنابعة من تركيبته السوسيولوجية ومشروعه الايديولوجي الديني التكفيري، ولا شيء يضعف قدرتنا على المواجهة الناجحة بالمعنى الاستراتيجي، لا بالحسابات التاكتيكية، أكثر من قراءة الاعتداءات الارهابية على لبنان في كتاب واحد هو الصراع المذهبي في المنطقة.
ذلك ان الصراع الجيوسياسي الدائر في المنطقة ومن ضمنها لبنان أشد تعقيداً من تبسيطه ورؤيته كأنه مجرد قتال بين داعش وحزب الله. فلا هذا مختصر الصورة في سوريا حيث يشارك حزب الله في الحرب، ولا هو مختصر الصورة في لبنان، حيث لعب الجيش ولا يزال الدور الأساسي في الحرب على الارهاب بكل أشكاله وأدواته: من معركة الضنية الى معركة نهر البارد وصولاً الى معركة عرسال. والآتي أعظم. ومن السهل طرح الأسئلة حول جدّية القوى الخارجية في تسليح الجيش، قبل الحديث عن التحالف الاقليمي والدولي وعملياته الجوية المقتصرة على العراق وسوريا من دون لبنان، أقلّه بالنسبة الى المعارك في جرود البقاع المتصلة بالمعارك في جرود القلمون. لكن من الصعب الهرب من سؤال أنفسنا، ونحن نتحدث عن الاستعداد العسكري والأمني والسياسي لمواجهة الارهاب: كيف نذهب الى حرب من دون رئيس للجمهورية؟ ولماذا نلعب في الفراغ الرئاسي كأننا نملك كل الوقت الضائع على الجمهورية ولسنا في مواجهة خطر مصيري؟
والسؤال نفسه مطروح في العراق وسوريا، حيث الشكوى من ان الضربات الجوية لم تحدث تبديلاً مهماً في المواقع ولا حالت دون أن يتوسّع داعش نحو الرمادي في العراق وعين العرب كوباني في سوريا: كيف يسعى العراق لاعادة بناء الجيش وخوض المعارك لاستعادة الأرض من داعش، ويطالب التحالف بالجدية من دون أن يكون في حكومته وزير للدفاع وآخر للداخلية؟ وما هو معيار الجدية في سوريا: مقاتلة داعش عبر أكثر من طرف وسط أكبر أزمة وطنية وسياسية أم التفاهم على حلّ سياسي لضمان النجاح في انهاء داعش وكل أدوات الارهاب؟
الكل يعرف الأجوبة. لكن المنطق ليس دائماً ما يقود السياسات ويحدّد الممارسات.