IMLebanon

ما قصة «سفن جنبلاط» الآتية للإنقاذ؟

 

في الحسابات المالية، الكارثة تقترب بسرعة أكبر من السابق. وقد أصبح الوضع الاقتصادي مشلولاً تماماً في غالبية القطاعات، ولا بصيصَ نور، سوى من خلال همساتٍ تفيد بأنّ «الانقلاب» الإنقاذي سيتحقّق في موازنة 2020، التي ستتحوّل من كلاسيكية الى إنقاذية بامتياز.

لا يبدو مشروع موازنة 2020 الذي تتمّ مناقشتُه في مجلس الوزراء هو بيت القصيد بالنسبة الى معظم الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة. وتسود قناعة بأنّ هذا المشروع نمطي، ولا علاقة له بما يُسمّى خطة إنقاذ يحتاجها البلد قبل السقوط. وانطلاقاً من هذه القناعة، تحوّلت طاولة مجلس الوزراء الى مختبر، يتلقّى الوصفات العلاجية من غالبية الأطراف المشاركة في السلطة التنفيذية.

 

ومع ورود الأوراق والاقتراحات من الكتل كافة، يبقى السؤال هل ستختلف طبيعة النقاشات هذه المرة عن سابقاتها؟ وهل سيتمّ الأخذ بقسم من الاقتراحات التي على الأقل تتماهى مع مقرّرات بعبدا التي لم يرد منها في مشروع الموازنة سوى ما يتعلق بتحديد سقف لدعم الكهرباء؟

 

هنا تبدأ القصة، من الكهرباء تحديداً، وصولاً الى ما قاله رئيس الحزب الاشتراكي وليد حنبلاط في تغريدة فاجأت في شقها الثاني البعض، ودفعت الى التساؤل عن أسبابها ومعطياتها. إذ كتب يقول: يبدو أن حريقاً سيشبّ في الخليج نتيجة الحرب في اليمن التي لا بد من تسويتها سلمياً، ونتيجة المواجهة الأميركية الإيرانية التي سيدفع العرب ثمنها. لذا فإنّ أيّ خلل في معالجة الموازنة في لبنان، والخروج عن توصيات دوكان الواضحة، قد يحرق الوضع خاصة أننا نسمع بأنّ سفناً كهربائية آتية».

 

يبدو أنّ تغريدة جنبلاط، خصوصاً تلميحاته الى السفن الكهربائية، لا تأتي من فراغ. إذ إنّ الرجل شمّ رائحة «كمين» في موضوع الكهرباء، أو هكذا اعتقد. فمن جهة، تمّت الموافقة على تحديد سقف مالي لدعم القطاع بـ1500 مليار ليرة، ومن جهة أخرى، وبعد إقرار هذا البند ارتفعت الأصوات الرافضة لرفع التعرفة قبل تأمين الكهرباء 24 ساعة. ومع احتدام الصراع في الخليج، وارتفاع اسعار النفط، واحتمال ارتفاعها أكثر، خصوصاً إذا تطوّرت الأحداث نحو مزيد من التصعيد، سيصبح سقف الدعم قادراً على تأمين فقط 5 أو 6 ساعات تغذية يومياً، وربما أقل، حسب الأسعار التي سيبلغها النفط.

في هذه الحالة ماذا سيكون الحلّ؟

 

جنبلاط يدرك أنّ الكهرباءَ ممرٌّ إلزامي الى تنفيذ مؤتمر «سيدر»، وتابع بدقة اللغة الحازمة التي استخدمها دوكان في الإصرار على ضرورة رفع تعرفة الكهرباء ابتداءً من اول يوم في العام 2020. وسمع كذلك، رئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل يقول إنّ التكتل يرفض رفع التعرفة قبل تأمين التيار 24 ساعة، وإنّ هذا الامر يمكن أن يتحقق بكبسة زر ويتأمّن في منتصف العام 2020، إذا قرّر مجلس الوزراء. وسبق لـ«حزب الله» أن أعلن موقفاً شبيهاً من التعرفة. ويدرك جنبلاط أنّ ّّخطة الكهرباء تعثّرت لأسبابٍ لا علاقة لمجلس الوزراء بها، وأنّ هناك تأخيراً في التنفيذ، بدءاً من معمل دير عمار، بما يجعل تأمين التغذية 24 ساعة في ستة أشهر بالطرق الكلاسيكية، ووفق خطة الكهرباء نفسها التي أقرّها مجلس الوزراء شبهَ مستحيل. وبالتالي، فسّر جنبلاط كل ما يجري بأنه مسار مدروس يحشر اللبنانيين والمسؤولين، وقد يدفعهم الى الموافقة على خطة طارئة للاستعانة ببواخر تُنتج الطاقة، لتأمين التغذية ورفع التعرفة وإنقاذ الناس من تقنين غير مقبول، والأهم إنقاذ «سيدر» من خلال خفض العجز الذي تتسبّب به الكهرباء في الموازنة.

 

هذا السيناريو الافتراضي، أو الواقعي، الذي دفع جنبلاط الى التغريد، وبصرف النظر عن نظرية المؤامرة، وإذا ما كانت فعلاً قائمة أم لا، وبصرف النظر عن احتمال وجود منافع شخصية لمَن يمهّد لجلب المزيد من البواخر، فإنه يبقى من السيناريوهات الإنقاذية التي قد يكون لا بدّ منها. لأنّ الواقعية تفرض الاعتراف بأنّ الخيار اليوم ليس بين الشفافية واللاشفافية لكي يكون لدينا ترفُ الاختيار الصح. الخيار اليوم صار بين الوقوع في الهاوية أو تحاشيها، ولو على حساب الشفافية موقتاً، لكي تبقى لدينا القدرة لاحقاً على «التصويت» للشفافية في كل المشاريع الإنقاذية المطلوبة. ومن دون أن ننسى، أنّ الطاقة التي تولّدها البواخر سعرها مقبول، ولا تشكّل في حدّ ذاتها، إشكالية تستدعي المجازفة بفقدان فرصة تأمين 24 ساعة كهرباء ورفع التعرفة، وإنقاذ الموازنة من عجز سنوي يبلغ حوالى مليارَي دولار، بما يوازي حوالى 42% من مجموع العجز المقدَّر في مشروع موازنة 2020.

 

وبالتالي، إذا كان ثمن الإنقاذ السريع حالياً، يقضي بتجاوز موضوع الشفافية، وهو موضوع غير محترم حتى الآن في كل المشاريع والمفاصل الأساسية في الدولة، يبدو «العرض» مُغرياً، وضرر عدم تبنّيه قد يتجاوز أضعاف ضرر التصدّي له. وحتى لو كان الوزير باسيل لا يقصد في كلامه جلب بواخر، فإنّ من مصلحتنا ربما، المطالبة بذلك، لأننا من دون حلّ فوري للكهرباء نتجاوز فيه مسألة التعثّر في تنفيذ الخطة، سنكون أمام فرضية تضخيم العجز، أو القبول بالعيش مع 5 ساعات كهرباء يومياً في العام 2020، بالاضافة الى المجازفة بفقدان «سيدر» في مرحلة أصبحنا فيها من الناحية المالية والاقتصادية على حافة «الجحيم».