يسكن وزير الخارجية جبران باسيل هاجس توطين اللاجئين السوريين في لبنان بقرار دولي. لا تقنعه التطمينات والشروحات التي تقدمها الأسرة الدولية عن عدم وجود نية في هذا الشأن، كما لا يقنعه سبب تأخر وصول المساعدات المقررة لهذه القضية، والتي يعتبر أنها ستكون مشروطة بالتوطين. وقد جاء التقرير الأممي الأخير ليعطي باسيل فرصة الانقضاض مجددا على هذا الموضوع ولتثبيت وجهة نظره في هذا الشأن.
بدأت القصة مع تقديم الامين العام للأمم المتحدة بان كي – مون في 21 نيسان الماضي تقريره إلى هيئة الامم المتحدة في إطار التحضير للاجتماع الدولي في أيلول المقبل حول “التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين”. وجاء التقرير بعد مرور نحو شهر على زيارة بان للبنان، والتي قاطعها باسيل على خلفية رفضه التوطين، مما أثار استياء في الاوساط اللبنانية والاممية بسبب التهميش.
في 9 أيار الجاري، تبلغت وزارة الخارجية مضمون التقرير، وعكفت دوائرها على قراءته ووضع ملخص تقويمي لما تضمنه. وقد استوقفت هذه الدوائر مجموعة من النقاط التي وردت فيه، والتي شكلت ثغرة بالنسبة اليها، يمكن الولوج منها لتفسيرها على أنها مقدمة لتوطين اللاجئين السوريين في لبنان.
رفعت هذه الدوائر تقريرها الى وزير الخارجية الذي لم يتسن له الاطلاع عليه، الا على متن الطائرة التي اقلته الى فيينا قبل اربعة ايام، حيث مثل لبنان في اجتماع المجموعة الدولية لدعم سوريا.
لم يرق باسيل ما قرأه، ولا سيما في ما يتعلق بالملاحظات المسجلة في شأن مجموعة من النقاط، أبرزها استعادة مسألتي العودة الطوعية للاجئين والاندماج في الدول التي شكلت المحطة الاولى لنزوحهم، وصولا إلى النقطة الابرز الواردة في المادة 86 من التقرير والرامية الى التمهيد للتجنيس.
حمل باسيل ملاحظات الخارجية إلى طاولة الحوار الوطني، وأثارها أمام المتحاورين بنبرة تصعيدية، ما لبث أن أسهب في عرضها أمام الاعلام بعد انتهاء الجلسة، ليعيد طرحها في اجتماع اللجنة الوزارية في السرايا الحكومية، مما استدعى موقفا توضيحيا من الحكومة، خصوصاً أن المتحاورين، رغم انشغالهم بمبادرة رئيس المجلس نبيه بري، تحفظوا عن مضمون التقرير وطلبوا استيضاحات حوله.
ما لبث الموضوع أن طرح مجددا على طاولة مجلس الوزراء لتخرج الحكومة ببيان مقتضب، وإنما حاسم، اللافت فيه أنه لم يرفض التقرير وما أورده، ولكنه جزم بموقف الحكومة الرافض لأي توجه نحو توطين السوريين أو غيرهم من اللاجئين. وقد ترافق هذا الموقف مع موقف أميركي واوروبي وأممي عبرت عنه الحركة الديبلوماسية أمس في اتجاه السرايا الحكومية والخارجية. فحضرت منسقة الأمم المتحدة سيغريد كاغ الى قصر بسترس، بناء على طلبها (وليس لاستدعاء باسيل) فيما أعلن القائم بالاعمال الاميركي السفير ريشارد جونز بعد لقائه رئيس الحكومة تمام سلام دعم بلاده لموقف لبنان الرافض للتوطين، وزار الممثل المقيم لبرنامج الامم المتحدة الانمائي فيليب لازاريني وزير العمل سجعان قزي معلنا موقفا مماثلا.
وفيما لم يخف سلام انزعاجه من الاثارة التي ترافق كل ملف يطرح، بما يخضعه للمزايدات ويخرجه عن إطاره الموضوعي، ولا سيما في الملفات الدقيقة والحساسة مثل موضوع التوطين، كشف لـ”النهار” أنه يتابع الموضوع مع وزير الخارجية الذي حمل كاغ رسالة الى بان ضمّنها موقف الحكومة، مضيفا انه سيغتنم فرصة وجوده في اسطنبول بعد يومين للقاء المسؤول الاممي والبحث في هذا الموضوع معه، وإبلاغه أن مسألة التوطين غير خاضعة للنقاش او المساومة.