فعلا، ما قيمة الإنسان اللبناني لدى سلطة الأمر الواقع؟
اللبناني المقصود هنا، هو كل لبناني، مدنيا كان أم عسكريا. أما “سلطة الأمر الواقع” فتعبير يليق بكل أفرقاء الحكم، سواء من يفرض قراره، ماديا ومعنويا، بفائض قوة السلاح، ومن تٌلزمه حساباته السياسية بالجلوس وإياه إلى طاولة الحكم، والتعايش مع نحره الدولة هيكلاً وبنية.
يدفع إلى هذا السؤال، ما تحركه قضية المخطوفين من العسكريين اللبنانيين، وما شهده مجلس الوزراء من جدال في شأن المقايضة مع الخاطفين، تبعه تذاكي امين عام “الحزب المتسلط”، في آخر ظهوراته المتلفزة، بمحاولة تمويه اعتراض وزرائه عليها، بالتشديد على تأييده التفاوض.
منذ “الحركة السحرية” المتلفزة تلك، نحر الخاطفون 3 عسكريين لبنانيين. أمر لم يحرك الشعور بالخسارة لدى قيادة الحزب الذي تقول ممارساته إنّ لا قيمة للحياة البشرية، وفق عقيدة الاستشهاد التي يتبنى، ويسوغ بها عملياته الحربية، ومنها ما لم يتبنَّه رسميا، منذ ثمانينات العقد الفائت، واستهدف خصوما استراتيجيين له.
في حالات مماثلة، غير لبنان، لا يجد المسؤولون سوى أحد حلين: المقايضة نقدا أو عينا، وإلا الحرب. تبنى الأميركيون الحل العسكري حين صُفيت أولى رهائنهم. لم تغب المصالح الاستراتيجية، الإقتصادية والحربية، عن مخططهم، لكن لم تغب أيضا ضرورة التصدي عمليا، فولد التحالف الدولي.
ماذا فعل لبنان لاستنقاذ أبنائه الرهائن من خاطفين بادروا إلى إبداء الاستعداد للمقايضة؟
لا مال لديه، ولا مقايضة يقبلها. الأول لا يملكه، والثانية يرفضها الحاكم باسم الولي الفقيه، فيما تتحول حيوات أبنائه المخطوفين إلى أزمة سير وقطع طرق وإحراق دواليب. وإذا كان الحزب استطاع، منذ الثمانينات المنصرمة، قولبة رأي عام ليستعذب الموت، ويرى في كل “قضية”، يسبغ عليها “قدسية”، شهادة في سبيل دينه ومذهبه، فإن أهالي الرهائن اللبنانيين لا يرون رأيه.
ليس الخاطفون تكفيريين، بل كافرون، وليسوا أصحاب قضية، بل أصحاب غرض، والعبرة في قصة رهينتين بريطانيتين هما آلان هينيننغ الذي أعدمه “داعش”، وديفيد بولام، الذي عمل مدرسًا في ليبيا، وخطفته ايضًا ميليشيا مشابهة. لكن لماذا قتل أحدهما بينما نجا الآخر؟ قد تكون الإجابة أن خاطفي بولام تلقوا فدية، برغم نفي الخارجية البريطانية وأسرته، بينما لم يحدث ذلك مع خاطفي هينيننغ.
ربما تخلق المقايضة سوقاً ورواجًا لعمليات الخطف، لكن هل يملك لبنان بديلا، وهو الذي يكتفي بالالتحاق، لفظيا، بالتحالف الدولي، راضخا لممثلي الأسد وطهران المقاطعين، حفظا للإجماع الوزاري من حرد وزراء 7 أيار 2008. ربما لا يسوء الحزب زيادة ضحايا ورطته السورية.