لا يوجد بلدٌ في العالم فيه هذا الكمّ من التعطيل السياسي والعقد والاستفزاز يستمرّ شعبه في العيش برغم أنف الجميع هذه ميزة لبنانيّة فريدة من الصعب أن تجدها في مكان آخر، ربما ليلة الجمعة الماضية 12 تموز فضحت المشهد الذي يُراد للبنان أن يكون عليه، لكنّه لم يكن ولن يستطيع أحد أن يجعله كذلك، لبنان لن يكون إيران أبداً، ولن تسطيع لا إيران ولا حزبها الاستمرار في إكراهنا على عيشها كقدر لنا ولوطننا، وسيأتي يوم يخرج فيه عملاؤها إلى طهران تماماً مثلماً خرجت منظمة التحرير الفلسطينيّة من بيروت بعدما دمّرت لبنان وبيروت بسبب اتخاذها هذا البلد رهينة لها، ثمّة من لم يتعلّم من التاريخ وتجاربه، و»ستين عمرو ما يتعلّم»!!
تستدعي هذه المهنة أن تبقى مطّلعاً على الأخبار المحليّة والعربيّة والعالميّة، لذا لم يكفّ هاتفي الموضوع في وضعيّة «صامت» عن الاهتزاز، فعبر الشاشة كان أمين عام حزب الله حسن نصرالله وأكثر من محطة وموقع ألكتروني كانوا ينقلون خلاصات كلّ الكلام الذي يقوله، لم يتخلَّ الرّجل عن تهديده ووعيده المملّ، ولا عن قراءاته السياسيّة المغلوطة، وستأتي لحظة يدفع فيها هو وحزبه ثمن كلّ هذه «الأغاليط» التي يصرّ على تلاوتها على اللبنانيين، فيما حتى جمهوره ملَّ منه ومن طهران معه، وكلّما جفّت «حنفيّة» طهران وشحّت ونشّفت مواردها سينفضّ هذا الجمهور تباعاً، لم يعد بإمكان أمين عام الحزب أن يعيد ذاك المشهد الذي وضع فيه «الرّزم الخضراء» على طاولة عند مداخل الضاحية مع دخول أهلها إليها قبل أن يكتشفوا حجم الدّمار الذي محا معالم بيوتهم وأرزاقهم كانت الرزم الخضراء قد ملكت حدقات الأعين، مع وعود بالتعويض وإعادة الإعمار، هذا مشهد لم يعد بالإمكان أن يتكرّر إيران وحزب الله معها على وشك الإفلاس، لن يجد نصرالله في أي حرب مدمرة مقبلة مع إسرائيل من يعيد على مسامعه القول «فدا صرماية السيّد»، زمن ذلك القول قد ولّى!
يكاد البعض يقول لنا، هذه البلاد لا مستقبل لها ولا بها نكاد نقول ذلك، ما دام «المستقبل هو للمقاومة ومحور المقاومة»، وهذه المنطقة لا أمل لها ولا أمل بها، قد يكون هذا الكلام صحيح، وينطبق على المنطقة ولكنّه لا ينطبق على لبنان، روح المنطقة في لبنان، وسرّ لبنان في شعبه، صحيح أننا شعب «نقّاق» لكنّ هذه الصفة متوأمة مع صفة أخرى أننا شعب «عيِّش»، وقادر على اجتراح المعجزات بإصراره على الاستمرار في الحياة، شعب يتعب وهذا أمر طبيعي ولكنّه لا يستقيل من الحياة.
مساء ليلة الجمعة الماضية 12 تموز، وبعيداً عن مشهد أمين عام حزب الله حسن نصرالله، كنّا هناك عن يميننا يأتينا موج بحر جونية وهواء نسماته الرطبة يعبث بوجوهنا وأنفاسنا، وأمامنا فرقة ماجدة الرومي تبدأ الحفل عزفاً وشدواً قبيل انطلاق حفلها وإطلالتها في مهرجانات جونية الدوليّة وبالرّغم من كلّ العقد والأزمات والترنّحات واستمرار حالة الاختطاف الإيرانيّة ومن فوق كلّ الكدر اللبناني، علا صوت الكورال يُردّد: «وقرى من زمردٍ عالقاتٍ/ في جوار الغمام زُرقِ الضياء/ يتخطَّيْنَ مسرحَ الشَّمسِ، يُرَكِّزن بلادي على حدود السماءِ»، بالتأكيد هذه القصيدة لم يسمع بها ولم يسمعها أيضاً «السيّد حسن» فالغناء في اعتقاده حرام، لذا فاته الكثير عن لبنان وشعبه، كان اختيار ماجدة الرومي افتتاح حفلها بهذه الأغنية تحديداً رسالة ليس فقط للبنانيين الذين تجاوزا أربعة آلافٍ في المسرح، بل للأربعة ملايين لبناني العالقين رهينة هم ومستقبل بلادهم في الدّوامة الإيرانيّة، أعادت الأغنية شدّ أزرنا في الوقت العصيب الذي سبق وعشناه في لبنان عشرات المرّات، وها نحن نعيشه مرةّ بعد: «أصْمُد لبنان/ ما بك وهنُ ما بك وهنُ/ سوف نبقى/ لا بدَّ في الأرض من حقٍّ/ ولم نبقَ نحنُ/ فاصمُد لبنان/سوف نبقى»..
هذا الـ»لبنان» الذي نريده، وهو الذي سيبقى، «سوف نبقى… يشاء او لا يشاء الغيرُ»، وكائناً من كان هذا الـ»غير» عبر تاريخ لبنان، لبنان باقٍ وإيران ومحمورها وأحزابها وميليشياتها وأدواتها وأذنابها وعملائها، كائناً ما كان اسمهم، لبنان باقٍ وشعبه، وهم زائلون.
ميرڤت سيوفي