Site icon IMLebanon

ما يدفعه لبنان سنوياً للمجلس الاعلى اللبناني – السوري يساوي 1/3 حصّة جمعية وهميّة

 

انبرى عدد من الوزراء في الجلسة ما قبل الاخيرة لمجلس الوزراء، وفي بعض الاقتراحات التي قدمها اخرون، الى محاولة التغطية على مكامن الهدر وتآكل المال العام من خلال دعوة هؤلاء الى الغاء المجلس الاعلى اللبناني – السوري، على اعتبار ان الغاء المجلس المذكور يوفر مئات ملايين الدولارات على الخزينة في لبنان، كما حاول المطالبين للالغاء ايهام الرأي العام بهذا الاقتراح الذي «تفتقت» به العبقرية اللبنانية!.

 

والواضح، وفق شخصية سياسية بارزة في قوى 8 آذار، ان الذين طلبوا بالغاء المجلس الاعلى اللبناني – السوري، انما يستهدفون «دق اسفين» جديد في استحالة اعادة ترتيب العلاقة اللبنانية – السورية، حتى ولو كان هذا الامر حاجة لبنانية ضرورية، على اعتبار ان التلكؤ في ذلك يفاقم من ازمات لبنان على مختلف المستويات، من الحاجة لاعادة النازحين السوريين الى بلدهم، الى حلحلة عشرات القضايا العالقة التي ترتد على الداخل اللبناني بنتائج ايجابية ضخمة، من مسألة تصدير المنتجات اللبنانية الى الداخل العربي ومئات القضايا الثانية.

 

ورغم ان طلب الغاء المجلس الاعلى اللبناني – السوري يحمل ابعاداً سياسية كبرى، وهو الامر الذي اكد عليه رئيس الحكومة سعد الحريري نفسه في رده على طلب بعض الوزراء بالغاء المجلس، فان هذه الدعوة كان يمكن ان يتم تسويقها في جلسة الحكومة لو لم يتصدى لها وزراء حزب الله وحركة «امل» فيما تبدي الشخصية المذكورة تساؤلات حول الخلفيات التي كانت وراء طلب رئيس حزب سياسي لالغاء المجلس، في حين يكرر باستمرار جملة من «الكليشيهات» الاعلامية حول ترتيب هذه العلاقة.

 

لكن بغض النظر عن هذه الابعاد السياسة لطلب البعض الغاء المجلس الاعلى اللبناني – السوري، فالوقائع المتصلة بميزانية المجلس، وبآليات تشكيله تظهر مدى الاعتباطية وابتعاد مداولات مجلس الوزراء او في معظمها على الاقل، عن مكامن الهدر في المال العام من جهة، وعن الاليات الضرورية التي يفترض اتباعها لاجراء اي تعديلات بما خص المجلس الاعلى اللبناني – السوري، او مسائل مشابهة، وكل ذلك يمكن ملاحظته – لو افترضنا ان ليس هناك ابعاداً سياسية لهذا التوجيه من خلال الآتي:

 

1- ان ما تدفعه الخزينة اللبنانية لتمويل انفاق المجلس الاعلى اللبناني – السوري، لا يوازي ربع مبلغ يدفع من اموال اللبنانيين لصالح جمعية واحدة من الجمعيات الوهمية، فما صرف للمجلس الاعلى خلال العام الماضي مثلا كان بحدود 220 الف دولار، من اصل المبلغ الذي على لبنان المساهمة به لعمل المجلس وهو 520 الف دولار، وفق ما كانت اقرته معاهدة الاخوة والتعاون عام 1991 مع العلم مساهمة لبنان بكاملها لا توازي جزءاً بسيطاً، مما تدفع الخزينة لصالح «الاسكوا» مثلاً، حيث استئجار المبنى لوحده يكلف الدولة 15 مليون دولار في السنة، في حين ان الفوائد التي يجنيها لبنان او يستطيع الاستفادة منها من علاقته بسوريا تساوي الاف المرات لما تقدمه «الاسكوا» او غيرها من مؤسسات دولية او اقليمية، وما يحصل عليه احد المدراء العامين في الدولة ومن مصاريف على هامش راتبه الاساسي.

 

يضاف الى ذلك ان الداعين لإلغاء المجلس الاعلى اللبناني – السوري يتناسون او ليسوا على دراية بأن سوريا تدفع كامل حصتها لمصلحة المجلس الاعلى بما انها تدفع مقابل استئجار مقر الامانة العامة في دمشق من خارج المساهمة المطلوبة منها بقرار اتخذه الرئيس الراحل حافظ الاسد وما زال ساري المفعول حتى الآن، في وقت لا مقرّ او حتى مكتب بسيط للامانة العامة للمجلس الاعلى في بيروت.

 

2- ان الداعين لإلغاء المجلس انما يريدون تجاهل ليس فقط نص معاهدة الاخوة والتعاون التي اقرت في اتفاق الطائف، بل تجاوز ما تنص عليه الاعراف الدولية حول المعاهدات بين الدول فمعاهدة الاخوة التي وقعت عام 1991 وجاءت ترجمة لاتفاق الطائف الذي ينص على اقامة علاقة مميزة بين لبنان وسوريا، تتضمن في بندها السادس على انشاء المجلس الاعلى الذي يرأسه عن الجانب اللبناني رئىس الجمهورية ويضم في عضويته رئىس الحكومة ورئيس مجلس النواب ونائب رئيس الحكومة، والامر نفسه من الجانب السوري، بالتالي فأي قرارات او تعديلات تخص معاهدة الاخوة واطارها التنفيذي تتم من خلال اجتماعات المجلس الاعلى في البلدين، ولذلك فالمجلس اقرّ عام 91 تعيين رئىس المجلس الاعلى اللبناني – السوري وميزانيته سيما ان العاملين في المجلس جرى توزيعهم مناصفة بين البلدين، في وقت تلكأت حكومات لبنان منذ العام 2005 عن تسديد كامل المبلغ المتوجب على لبنان لعمل المجلس والموظفين العاملين فيه، مع العلم ان الامانة العامة للمجلس تتمتع بالحصانة الديبلوماسية التي تتمتع بها الجامعة العربية وموظفيها.

 

لذلك فالامر الاهم الذي غاب عن ذهن الداعين لإلغاء المجلس، ان ايّ تعديل في صيغة المعاهدة وعمل المجلس الاعلى وهيئاته يحتاج لاجتماع مشترك على مستوى قيادة المجلس الاعلى اولا ومن ثم الى تصديق مجلس النواب على ذلك وحتى تخفيض الموازنة يحتاج الى حصول اجتماع الاعلى وعلى اعتبار ان معاهدة الاخوة والتعاون ومعها المجلس الاعلى تعتبر من المنظمات الاقليمية والدولية ومسجلة في الامم المتحدة، وبالتالي، فعمل الامانة العامة للمجلس الاعلى مرجعيتها اجتماع المجلس الاعلى المشترك.

 

وفي الخلاصة، ان النتيجة الفعلية لهذا الطرح، يستهدف احد الامرين او الاثنين معا الامر الاول التغطية الفعلية عن مكامن الهدر وضياع مئات ملايين الدولارات الى الخزينة، والامر الثاني عود على بدء، لارضاء دول اقليمية ودولية معروفة».