IMLebanon

ما حدود الدولة الحوثية؟

 

هناك أحداث لا تقدّم ولا تؤخّر. على سبيل المثال، وليس الحصر استقالة الرئيس الانتقالي في اليمن عبد ربّه منصور هادي. جاءت استقالته، التي قد يعود عنها، في السياق الطبيعي لتطوّر الأمور في اليمن، خصوصاً بعد سيطرة الحوثيين، أي «انصار الله«، على دار الرئاسة في صنعاء وعلى ما بقي من مواقع عسكرية وامنية تابعة للسلطة التي تشكّلت بعد تنازل علي عبدالله صالح عن الرئاسة. 

سلّم علي عبدالله صالح الرئاسة إلى عبد ربّه منصور هادي قبل ثلاثة أعوام تقريباً بعد توقيعه على المبادرة الخليجية وذلك استناداً إلى بنودها. الآن، جاء دور عبد ربّه منصور لتسليم السلطة إلى «انصار الله«. المشكلة أنّ «أنصار الله« لا يعرفون شيئاً عن ممارسة السلطة. كشفت صنعاء الحوثيين. كشفت خصوصاً أنّهم يستطيعون الاستيلاء على مناطق معيّنة بفضل السلاح الذي يمتلكونه. لكنّ إدارة مؤسسات الدولة تظلّ شيئاً آخر. ليس كافياً إطلاق الشعارات والتنديد بالفساد، كي يصبح في الإمكان القول إن هذه المنطقة أو تلك ستستعيد عافيتها. 

ما نشهده في اليمن هذه الأيّام تطوّر بدأ يأخذ ابعاده في تمّوز الماضي وذلك قبل دخول الحوثيين إلى صنعاء. وقتذاك، سيطر «انصار الله« على معسكرات اللواء الرقم في عمران، الذي كان يقوده العميد حميد القشيبي وكان تابعاً عملياً للواء علي محسن صالح الأحمر، قائد ما يعرف في اليمن الفرقة الأولى مدرّع. بقي علي محسن القائد الفعلي لتلك الفرقة على الرغم من اعادة النظر في كل تركيبة القوات المسلّحة وانتقال الرجل إلى موقع المستشار العسكري للرئيس الانتقالي.

منذ السيطرة على معسكرات اللواء ، الذي كان في واقع الحال محسوباً على التجمع اليمني للإصلاح، أي الإخوان المسلمين، باتت أبواب صنعاء مفتوحة على مصراعيها أمام «انصار الله« وزعيمهم عبد الملك الحوثي المقيم في صعدة. قبل ذلك لم يكن سرّاً أنّ هناك وجوداً قويّاً للحوثيين في صنعاء عبّروا عنه بوسائل عدة، خصوصاً عبر تظاهرات ضخمة. لكنّ هذا الوجود لم تكن له ترجمة على صعيد الاستيلاء على القرار السياسي والعسكري والأمني.

خرج الحوثيون من صعدة وبدأوا ينتشرون ويتمددون في محيطها بعد الانقلاب الإخواني على علي عبدالله صالح، الذي توّج بمحاولة اغتياله في الثالث من حزيران . في النهاية، اضطر الرئيس اليمني وقتذاك إلى التنازل عن السلطة بسبب الضغوط المختلفة التي تعرّض لها، بما في ذلك الضغوط الخليجية والأميركية والغربية.

مَن خلف علي عبدالله صالح لم يستطع في أيّ وقت استيعاب الاختلالات في المعادلة اليمنية التي باتت أكثر تعقيداً. صار الصراع يدور داخل اسوار صنعاء نتيجة السعي الإخواني إلى خطف الثورة الشعبية التي استهدفت اخراج الرئيس، الذي حكم، بأسلوب لا يتقنه غيره، اليمن ثلاثة وثلاثين عاماً، أي منذ العام . 

تبيّن مع مرور الوقت أنّ «انصار الله« هم المستفيد الأوّل من الانقلاب الإخواني الذي استهدف علي عبدالله صالح. ثمّة حاجة إلى تبسيط الأمور إلى حد كبير. مثل هذا التبسيط سيكون مفيداً من دون أدنى شك وسيساعد في فهم لماذا وصلت الأمور إلى ما وصلت اليه، أي أن يكون عبد ربّه منصور مجرّد رهينة لدى «انصار الله« القادرين على جعله يوقّع أي بيان يريدون، بما في ذلك بيان تعديل مسودّة الدستور الذي كان الرئيس الانتقالي متمسّكاً به. كلّ ما فعله عبد ربّه منصور أنّه لم يستطع الذهاب إلى النهاية في الرضوخ للحوثيين وطلباتهم التي تبيّن أن لا حدود منطقية لها.

خسر الإخوان المسلمون رهانهم على الرئيس الانتقالي وخسر الرئيس الانتقالي رهانه على الإخوان. لم يستخدم عبد ربّه منصور القوات التي كانت في تصرّفه في معركة عمران. كان كافيا انتصار الحوثيين في تلك المعركة التي سبقت دخولهم صنعاء كي يفهم الرئيس الانتقالي أنّه صار رئيسا سابقا. 

عندما قبل عبد ربّه منصور «إتفاق السلم والشراكة« الذي فرضه «انصار الله« بقوّة السلاح، لم تعد هناك دولة يمنية. صارت هناك دولة يحكمها عبد الملك الحوثي. حلّ «إتفاق السلم والشراكة« مكان المبادرة الخليجية و«مخرجات الحوار الوطني«. بات في استطاعة الحوثيين أخذ ما يشاؤون من مخرجات الحوار. إنّهم في الواقع يأخذون منها ما يناسبهم ويخدم مشروعهم، وهو مشروع ايراني من ألفه إلى يائه.

لم يفهم عبد ربّه منصور أنّه كان عليه أن يعود إلى منزله في أبين منذ فترة طويلة. لم يستوعب أنّ القرار في صنعاء بات لمن يمتلك القوة على الأرض. مَن يمتلك القوّة يستطيع السيطرة على دار الرئاسة وعلى كل مؤسسة حكومية في صنعاء. كلّ ما فعله «انصار الله« أنّهم استخدموا القوّة وفرضوا «إتفاق السلم والشراكة« الذي لا علاقة له بالمبادرة الخليجية. اكتشفوا لاحقاً أن عملية الانقلاب على الشرعية، مهما كانت مضحكة، شيء وادارة مؤسسات الدولة شيء آخر.

طوى الحوثيون صفحة الرئيس الانتقالي. أبقوه لفترة في السلطة لأنّهم كانوا في حاجة إلى غطاء شرعي لبعض القرارات التي تناسبهم. 

الثابت أن صنعاء ستكون عاصمة الدولة الحوثية التي ستحكم عملياً من صعدة والتي ستكون منطقة نفوذ ايرانية في شبه الجزيرة العربية. بالنسبة إلى المستقبل، المطروح ما حدود الدولة الحوثية التي اصطدمت بحاجزي الوسط الشافعي والقبائل في مأرب؟.