Site icon IMLebanon

ماذا حقّق المشنوق؟

وجهتا نظر سادتا الوسط السياسي بعد ردّ السيّد حسن نصرالله على خطاب الوزير نهاد المشنوق في الذكرى الثالثة لاغتيال الشهيد وسام الحسن.

وجهة النظر الأولى قالت إنّ وزير الداخلية أحرجَ نفسه وتيّاره من خلال تلويحه بالخروج من الحكومة والحوار، فجاء ردّ الأمين العام لـ«حزب الله» ليُعيد الكرة إلى ملعب المشنوق و«المستقبل» على قاعدة «الله معكن، نحن من سيعيد النظر بالحوار لا أنتم».

وطالما أنّ الحوار خطوة استراتيجية غير مطروحة سعودياً ولا إيرانياً، ولا على مستوى «المستقبل» والحزب إعادة النظر بها، فإنّ العودة الحتمية إلى الحوار ستُظهر أنّ «المستقبل» يمتهن التهويل لا الفعل السياسي.

وجهة النظر الأخرى قالت إنّ كلام المشنوق تمّ تحويره من أجل إعطاء الانطباع المذكور لناحية إحراج «المستقبل» أمام بيئته وخلق شرخ داخل صفوفه، فيما وزير الداخلية لم يهدد بالخروج من الحكومة والحوار اليوم، إنما قال بوضوح انّ استمرار الوضع على ما هو عليه من تعطيل رئاسي وحكومي وأمني سيقود إلى الخروج من المساكنة لا الاستقالة من الدور.

وهذا الموقف نفسه أكدت عليه كتلة «المستقبل» التي تَبنّت موقف المشنوق وجددت التأكيد أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى تعليق المشاركة في الحكومة والحوار.

فالرسالة التي أرادها المشنوق واستطراداً «المستقبل» أن هناك حدوداً لسياسة اليد الممدودة، وأنه إذا كان الحوار الثنائي حاجة وضرورة للحفاظ على الاستقرار، فإنّ لضمان هذا الاستقرار شروطاً ومتطلبات وفي طليعتها تفعيل عمل المؤسسات الدستورية وتطبيق الخطط الأمنية، وبالتالي التأكيد المتبادل على أهمية الحوار وضرورته لم يعد مُجدياً ما لم يرتبط بخطوات عملية.

وإذا كانت الأنظار انشَدّت أمس لمعرفة ما إذا كان المشنوق سيشارك في الحوار من عدمه، خصوصاً بعد إعلانه منذ أيام عدة انّ مشاركته تخضع للدرس، فإنّ السؤال الذي طرح نفسه أخيراً بعد انتظام الأمور مجدداً في الحوار الجامع والثنائي هو الآتي: ماذا حقق المشنوق منذ خطابه في ذكرى الحسن وصولاً إلى مشاركته أمس في جلسة الحوار مع «حزب الله»؟

أولاً، وَجّه رسالة إلى فريق 8 آذار بأنّ سياسة الانفتاح والحوار التي ينتهجها لا تعني القدرة على استيعابه، وأنّ الخطأ الذي وقعت فيه بعض هذه القوى يكمن في اعتقادها بإمكانية تحييده والتعامل معه كشخصية مستقلة عن «المستقبل». وإن دَلّ هذا الأمر على شيء، فعلى الذهنية المتحكمة بمعظم فريق 8 آذار التي تنظر إلى الآخر على قاعدة إمّا إنه عدو أو تابع، وترفض التعاطي مع هذا الآخر كشريك.

ثانياً، وَجّه رسالة إلى الشارع السني بأنّ السياسة التي يتّبعها ليست سياسة «مَشنوقية»، بل يترجم توجّه الرئيس سعد الحريري بالحوار. فقرار الدخول بالحكومة والحوار هو قرار نابع من قيادة «المستقبل»، وبإمكانه في أيّ لحظة التخلّي عن هذا الدور والعودة إلى صقوريته إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك.

ثالثاً، عودته إلى الحوار أظهرت أنه ليس بوارد الخروج عن سقف «المستقبل» والظهور بمظهر المُزايد على تياره. فالخروج من الحكومة والحوار إمّا يكون بقرار من «المستقبل» أو لا يكون.

رابعاً، يدرك وزير الداخلية أنّ شَخصنة الخلاف مع «حزب الله» برفضه مواصلة الحوار معه في الوقت الذي يستمر «المستقبل» في هذا الحوار من خلال استبداله بشخصية أخرى يدفع الحزب إلى وضع فيتو على العلاقة معه، الأمر الذي ينعكس سلباً على المشنوق ولا يخدمه. فإذا كان المطلوب إيصال رسالة امتعاض وتحذير، فالرسالة وَصلت. وبالتالي، الذهاب أبعد من ذلك لا يفيد، خصوصاً أنّ قيادة التيار ليست في هذا الوارد في هذه المرحلة.

خامساً، النّقزة التي أحدثها المشنوق كانت ضرورية لدفع «حزب الله» إلى مراجعة سياسته على مستويين: المستوى الأول أنّ وزير الداخلية أثبت قدرته على تطبيق الخطط الأمنية في البيئة السنية واستيعاب ردود فعل الشارع السني. المستوى الثاني أنّ الفعالية السنية المعتدلة، والحزب هو بأمسّ الحاجة لها اليوم، لا يمكن أن تكون حليفة له كونها تفقد تأثيرها وفعاليتها وحضورها داخل البيئة السنية.

سادساً، إذا كان لا مصلحة للمشنوق بأن يهدر دفعة واحدة كل ما راكَمه منذ تَولّيه وزارة الداخلية من خطوط ثقة مع الفريق الآخر بأنه قادر من موقعه السياسي أن يكون على مسافة واحدة من الجميع في إدارة الوزارة التي يترأسها، فلا مصلحة للحزب بالمقابل أن يخسر شريكاً نجح وإيّاه في إدارة مرحلة أمنية-سياسية.

سابعاً، الفصل الذي يعتمده الحزب بين الجلوس مع «المستقبل» ومهاجمته، ينسحب على المشنوق أيضاً الذي لا يمكنه التغاضي عن مواقف الحزب وسياساته، لا سيما في ظلّ هجومه المتواصل على السعودية.

ثامناً، النكسات التي أصابت وزير الداخلية داخل بيئته لم تكن نتيجة مواقفه التي حافظ فيها على سقف تياره السياسي، بل كانت نتيجة «شَطحات سياسية» من قبيل دعوة الإعلام إلى اجتماع أمني يشارك فيه الحاج وفيق صفا، و«لا يُفتى والجنرال في الرابية»، والفيلم المسرّب عن التعذيب في سجن رومية… فكان يمكن تلافي هذه المحطات التي انطبعت في ذهن الرأي العام وأعطت انطباعاً أنّ المشنوق يقدم تنازلات سياسية مقابل رئاسة الحكومة، وهذا الاستنتاج ليس في محله، فضلاً عن انه لا يفترض اعطاء أيّ انطباع أنّ علاقته مع بعض مكوّنات 8 آذار أفضل من علاقته مع بعض مكوّنات 14 آذار.

تاسعاً، من يختار رئيس الحكومة هو الرئيس الحريري وليس السيّد نصرالله، إنما بإمكان الأخير وضع الفيتو على بعض الأسماء، وبالتالي قدرة المشنوق هي في أن يجسِّد معادلة المرشّح الذي يمثّل بيئته وأن يكون مقبولاً من البيئات الأخرى. وبالتالي، دوره في أن يحافظ على تمثيله داخل بيئته وألّا يخسر ما راكَمه مع البيئات الأخرى.

عاشراً، الرهان على أنّ «حزب الله» سيقدم لوزير الداخلية أو غيره خدمة مجانية على طبق من فضة ليس في محلّه. وبالتالي، مصلحة المشنوق هي في الحفاظ على خطوط علاقاته مع الفريق الآخر وتعزيزها، مقابل تذكير هذا الفريق باستمرار بعدم الالتزام بتعهداته، كما الحفاظ على وتيرة مواقفه السياسية من كل ملف وقضية، لأنّ هناك شعوراً لدى الرأي العام بأنّ المشنوق ابتعد عن إطلاق المواقف السياسية إلّا في المناسبات.

ويبقى أنّ المعادلة التي تحكم المرحلة ويدركها المشنوق جيداً واضحة تماماً: إرضاء الشارع السني من دون استفزاز الشارع الآخر. فالخروج من الحوار كان أسهل الحلول، وأي شخصية كانت تتمنى أن تحلّ محله، ولكنه لن يربح شارعه وسيخسر الشارع الآخر.

وإذا كانت المعادلة الحالية استدعَت من «المستقبل» و»حزب الله» ربط النزاع، فقدرة المشنوق تكمن في إدارة هذه المرحلة من دون فك النزاع ولا الخضوع لابتزاز الفريق الآخر.