ثلاث مرات متعاقبة خلال أقل من شهر يصدر عن لسان رئيس الحكومة تمام سلام ما ينطوي صراحة على تذمر من قلة انتاجية حكومته ومن بطء العمل الحكومي حينا ومن تعثره احيانا اخرى.
مع ذلك ما من جهة سياسية اثارتها هذه الشكوى المرة الى درجة التوقف عندها ومحاكمتها او الرد عليها. وذلك عائد لاعتبارات عدة ابرزها:
– ان الكل شريك في اللعبة الحكومية الجارية ولا يمكن ان يبرر نفسه او ينزهها عن التهم التي يسوقها سليل العائلة السلامية شريك المعا دلة السياسية منذ بداية القرن الماضي.
– ان الكل مقتنع ضمناً ان لهذه الحكومة وعلى تواضع انتاجيتها فوائد جمة فهي ضرورة قصوى في زمن الفراغ الرئاسي وهي ايضا تشكل مظلة وقاية للاستقرار النسبي الذي ينعم به لبنان في زمن تدهور الاوضاع في الكيانات المجاورة. وهي اولا واخيرا” مجلس رئاسة “ونقطة توازن وارتكاز في زمن الفوضى وتهافت الانظمة والدول.
والى ذلك كله، ثمة رضى ضمني وظاهري من كل القوى والاطراف الشركاء في حكومة “المصلحة الوطنية” على اداء الرئيس سلام وعلى شخصيته التي قدمت منذ اعتلائها منصبها الحالي عرضا مميزا في “ادارة” اللعبة الحكومية منذ الولادة المتعثرة لهذه الحكومة منذ ما يزيد عن العام.
صحيح ان الرئيس سلام اختصر في شخصه وبموجب الدستور السلطة التنفيذية في لحظة غير مسبوقة في ظروفها في تاريخ الدولة اللبنانية ولافت ايضا ان سلام مثّل لبنان خلال الاشهر الاربعة الاخيرة في 3 مؤتمرات دولية كان يتعين ان يحضرها رئيس الجمهورية وآخرها مؤتمر الامن الدولي في ميونيخ وقبلها مؤتمر عن النازحين السوريين وثالث دعا اليه الاتحاد الاوروبي ولكنه لم يثر حساسية المتحسسين وحفيظة المتحفظين وهواجس الخائفين لاعتبارات عدة ابرزها:
– ان سلام حافظ على الحضور الدولي للبنان وكرس استمرار الدولة بين الامم على رغم كل ما تعانيه هذه الدولة من جراء تناقضات الوضعين الداخلي والاقليمي.
– ان سلام برع الى حد الاتقان في لعبة عدم استفزاز اي فريق من افرقاء الشراكة الحكومية الهشة من خلال التوازن في شخصيته ومن خلال درايته العميقة بتعقيدات التركيبة اللبنانية، فلم يخسر، من جهة، دعم تيار المستقبل الذي وفر له فرصة العودة الى النيابة اولا بعد احتجاب طويل، ثم امن له الوصول الى سدة رئاسة الحكومة وكسب من جهة اخرى رضى جميع الاطراف الآخرين وحتى اولئك المنضوين تحت لواء 8 آذار ولم يثر في الوقت عينه غضب المسيحيين المستائين ضمنا من امساكه بجزء اساسي من صلاحيات الرئاسة الاولى.
– الى توازن شخصيته وقدرته على عدم استفزاز اي طرف وهو امر لم ينجح فيه سواه حتى في الحكومات المتجانسة (حكومة الرئيس ميقاتي) تحلى سلام بصفة الصبر الجميل في حكومة الـ24 رأسا من جهة والقدرة على كظم الغيظ والاستعانة بفضيلة “الكتمان” لإمرار الاوضاع. اذ يسجل له انه لم يلجأ الى صيغة المصادر المقربة لكي يبث شكواه من الآخرين ويعمم استياءه من شركائه
وعموما جسّدت تجربة سلام في ادارة حكومة المتناقضات في لحظة ذروة الانقسامات الداخلية والصراعات الاقليمية الشخصية المناسبة التي سينظر اليها ذات يوم على انها علامة فارقة في تجارب كل رؤساء الحكومات المتعاقبين خصوصا في مرحلة ما بعد الطائف. استناج لا يزال، في رأي البعض، مبكرا اطلاقه، ولكن تجربة الـ12 شهرا التي انقضت على انطلاق قطار الحكومة اظهرت ان المشهد السياسي بات امام تجربة حكم وفاقية توافقية قل نظيرها. ففي ظل الخلل الوظيفي الذي تعانيه الدولة والمؤسسات عموما والذي يمكن اي وزير من الوزراء الـ24 من تعطيل اي مشروع ثمة انتاجية ولو متواضعة وفي ظل اختلاف الرؤى وتعارض الآراء والمصالح الى حد القطيعة وثمة اجماع من كل القوى السياسية على ضرورة اسناد هذه الحكومة وتأمين ظروف استمرارها.
وعلى رغم اقرار غالبية الافرقاء بأهمية شخصية سلام في ادارة لعبة التوازنات الهشة والدقيقة والمعقدة في الحكومة الحالية فان ثمة من يرى ان هناك اسباباً وعوامل اخرى تسند هذه الحكومة وتؤمن ديمومتها وتقيها صدمات الانقسام الداخلي وتحول دون انفراط عقدها ابرزها:
1 – ان ثمة ارادة دولية بالحفاظ على حد معقول من الاستقرار الداخلي في لبنان. وهذا ما تظهره تجربة الاعوام الاربعة الماضية اي فترة ما بعد اندلاع الاحداث في سوريا.
2 – ان ثمة رغبة لدى الافرقاء الداخليين بالحفاظ على هذه الحكومة رغم تناقضات رؤاهم وتباين مصالحهم وحساباتهم الداخلية والاقليمية.
3 – لا ريب ان انفتاح ابواب الحوارات الداخلية لا سيما بين تيار المستقبل وحزب الله قد اعطى هذه الحكومة جرعة دعم اضافية وعزز اهمية حضورها.
4 – الحاجة الماسة للحكومة لتسيير شؤون الناس اليومية.
5 – ثمة سبب اساسي لا يمكن اغفاله وهو ان افق انتخاب رئيس جديد يبدو موصدا تماما والى اجل غير مسمى وبالتالي تصير الحكومة الحالية مطلب الجميع بلا استثناء.
وبناء على كل هذ المعطيات فان الحكومة الحالية ستبقى واقفة على قدميها تدوّر الزوايا وتوازن بين التناقضات ويمنع هزّها، حتى وان رفع رئيسها صوته بالشكوى من سلحفاتية اخذ القرارات ومن تواضع انتاجيتها.