Site icon IMLebanon

ما يهمّ لبنان من الاتفاق النووي انتخاب رئيس وتحييده عما يجري حوله

إذا كان التوصل الى اتفاق على الملف النووي الايراني أمراً مهماً، فالأهم هو أن يصير اتفاق على تنفيذه تنفيذاً دقيقاً كاملاً لئلا يعود خلافاً يحوّل ايجابياته سلبيات تنعكس ليس على المنطقة وحدها إنما على دول العالم فيكون سبباً لاشعال حروب عوض أن يكون سبباً لاحلال السلام.

إن ما يهم لبنان من هذا الاتفاق سواء قبل أو بعد تنفيذه، هو ابقاءه خارج خريطة تقاسم مناطق النفوذ وذلك بالاتفاق على تحييده عن كل ما يجري قريباً منه أو بعيداً عنه كي ينعم بأمن دائم واستقرار ثابت. لقد حمت المظلة الدولية لبنان حتى الآن من امتداد النار السورية اليه فاستمر الامن والاستقرار فيه وإن بنسبة معقولة، وساعد على ذلك مزاج الشعب اللبناني التواق الى عيش هادئ وراحة بال بعد حروب طويلة عبثية ومدمرة عانى منها الكثير، ولولا ذلك لكانت المحاولات المتكررة لتفجير الوضع في لبنان قد نجحت وأشعلت نار الفتنة. وما الحوارات المستمرة بين قوى لبنانية متخاصمة وإن كانت تدور في حلقة مفرغة، وتتخللها خطب وتصريحات نارية متبادلة، سوى الدليل على ان الاستقرار ضرورة لبنانية وحتى دولية واقليمية وكاد تحقيقه ان يكون أعجوبة. فهل الاتفاق على أي لبنان سوف يأتي بالرئيس المناسب، إذ أن أي رئيس ينتخب قبل معرفة أي لبنان نريد أو يراد لنا قد لا يجعله قادراً على الحكم ولا على إقامة الدولة القوية العادلة. وهل تبذل الدول الشقيقة والصديقة التي ساعدت لبنان على دوام الأمن والاستقرار فيه الجهد لتبقيه خارج مناطق تقاسم النفوذ فلا يكون من حصة هذا أو حصة ذاك نظراً الى تركيبته السياسية والمذهبية الدقيقة والحساسة، والتي لا يمكن المحافظة عليها إلا بتحييده، لأن انحيازه الى هذا المحور أو ذاك ينعكس سلباً على وحدته الداخلية وعيشه المشترك وسلمه الأهلي، ويشعل أزمات حادة لا قدرة للبنانيين وحدهم على حلها من دون تدخل خارجي، وهو تدخل قد لا يكون دوماً لمصلحة لبنان بل لمصلحة الدولة المتدخلة.

الواقع أن ما يشجع الدول الشقيقة والصديقة على جعل لبنان يعتمد سياسة الحياد هو موافقة أقطاب الحوار بالاجماع على اعتماد هذه السياسة التي وردت تفاصيلها في “اعلان بعبدا”، وهي موافقة كانت ستأخذ طريقها الى التنفيذ لولا الحرب في سوريا ولولا تدخل ايران فيها ما جعل “حزب الله” يشارك فيها ويضع هذا الاعلان على رفّ الانتظار الى حين تنتهي الحرب السورية بحل قد يعجل في بلوغه الاتفاق النووي، بحيث يصير في إمكان “حزب الله” العودة من سوريا والتزام تنفيذ “اعلان بعبدا” في عهد رئيس جديد وحكومة جديدة ومجلس نواب منبثق من انتخابات تجرى على أساس قانون جديد عادل ومتوازن، وهو ما لا يمكن تحقيقه قبل انهاء الحرب في سوريا، ويكون انهاؤها مدخلاً لوضع خريطة جديدة لتقاسم النفوذ على أن يبقى لبنان خارجها، وهو ما تتفق عليه الدول الكبرى ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا، محافظة على النموذج اللبناني الذي يحقق العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، ويحافظ على كونه الدولة الوحيدة في المنطقة التي يرأسها مسيحي، وله أهميته ورسالته التاريخية عبر قرون بصفته بلد الطوائف الدينية المتعددة التي تحيا في سلام وفي حق كل انسان في الحرية.

وإذا كان تحييد لبنان مرتبطاً بانهاء الحرب في سوريا، فإن تحقيق التقارب السعودي – الايراني مرتبط بانهاء الحرب في اليمن كي يصير في الامكان اعادة النظر في خريطة تقاسم مناطق النفوذ وتنفيذ القرار 1701 كاملاً وحل مشكلة اللاجئين السوريين وغير السوريين. وفي انتظار ذلك، فإن المطلوب الابقاء على لبنان حيّاً باستمرار الحوارات بين الأقطاب، حتى وإن ظلّت “حوارات طرشان” الى أن تأتي ساعة إخراج لبنان من هذا الوضع الشاذ، وتكون ساعة خلاص له ولدول المنطقة.

لذلك على الجميع، وهم في حالة انتظار، ضبط أعصابهم والترقب، وتجنب “نوبات” الانفعال والتهور كي لا يزول لبنان لأن زواله خسارة للجميع، وهو وإن كان بلداً واقعه معقّد، إلا أنه كما قال البابا السابق بينيديكتوس السادس عشر في زيارته للبنان “مثال يحتذى لكل المنطقة”.