على وقع الضربة التي وجّهها «حزب الله» ضد موكب للعدو الاسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة، فشل مجلس النواب في الانعقاد للمرة الثامنة عشرة على التوالي لانتخاب رئيس للجمهورية، وهو أمر كان متوقعاً، غير أن تلازم عدم ملء الفراغ الرئاسي مع التعقيدات السياسية والأمنية الداخلية والاقليمية والتوتر الأمني المستجد على الحدود الجنوبية للبنان يدفع باتجاه تعزيز مقولة «ما أحوجنا إلى رئيس«.
واللافت أن هناك أصواتاً تحاول الايحاء بأن الأمور تسير على ما يرام وأن «البلاد تسير رغم غياب الرئيس»، لكن بالمقابل، انتقد مصدر نيابي وسطي هذه الأجواء وقال لـ «المستقبل» بلهجة حازمة «كلا، الأمور ليست جيدة، ولا يمكن للبلاد أن تستمر من دون رئيس«.
وعند خروج المصدر من بهو البرلمان في ساحة النجمة عبّر عن «استيائه» من استمرار الوضع على حاله، مضيفاً «إن أخطر ما يجري هو تصوير الوضع كما لو أنه يستقيم بغياب رئيس وأن حكومة تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية يمكنها أن تسيّر شؤون البلاد والعباد»، مستطرداً «لكن ماذا لو انفرط عقد الحكومة؟ أليس ذلك محتملاً؟ اسمعوا ما يقوله الرئيس تمام سلام«.
وعلى الرغم من أن معظم الأطراف السياسية دخلت في أجواء «الحوار» وهو ما كان ينادي به ويعمل له رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، إلا أنه من الواضح أن النقاشات التي تدور في هذه الحوارات، سواء بين تيار «المستقبل» وبين «حزب الله» أو بين النائب ميشال عون وبين رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لم تسفر لغاية الآن على التفاهم المطلوب لـ»لبننة» الاستحقاق الرئاسي والاتفاق على ممارسة اللعبة الديموقراطية والخروج من «عنق» التعطيل والشروع في انتخاب رئيس أصبح أكثر من ضروري وجوده على رأس السلطة التنفيذية.
وقد كان لافتاً موقف كتلة «المستقبل» التي حذّرت في بيانها بعد ظهر أمس من «نوايا واستهدافات العدو الاسرائيلي العدوانية»، معتبرة ان «أمن لبنان وسلامة اللبنانيين يجب ان يكونا في مقدمة اهتمامات جميع الأطراف اللبنانية، وانه يجب الحفاظ على هذا الأمن وتلك السلامة من خلال الالتزام قولا وعملا بالابتعاد الكامل عن أي تورط يحمل معه خطرا على لبنان وبالتالي الالتزام الكامل باحترام القرار الدولي 1701».
وذكّرت الكتلة «الاطراف السياسية بأهمية المسارعة إلى إنهاء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية وذلك بعد ثماني عشرة محاولة لانتخاب الرئيس كان آخرها هذا الصباح (أمس) والتي لم تسفر عن اي نتيجة»، معتبرة ان «استمرار هذا الشغور سيفاقم مشكلة تعطيل المؤسسات الدستورية وتعطيل مصالح اللبنانيين وزيادة حدة المخاطر التي تواجههم».
وفي هذا الاطار يقول عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت انه كانت سائدة في الماضي القريب «مقولة تتناول فقدان رئيس الجمهورية لصلاحياته بعد اتفاق الطائف، غير أن ما ثبت اليوم هو أنه في فترة الفراغ تعطلت مؤسسات البلد بكاملها وأن مجلس النواب مشلول ولا سفراء قادرون على تقديم أوراق اعتمادهم، وان الحكومة التي تتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية مجتمعة أصبحت مؤلفة من 24 وزيراً يعتقد كل وزير أنه رئيس، من هنا تتبيّن ضرورة وجود رئيس للجمهورية».
وشدّد فتفت لـ «المستقبل» على أننا «أصبحنا بحاجة ماسة الى وجود رئيس يمثّل صورة لبنان ويكون قادراً على حماية البلد في حال تعرّض لا سمح الله لأي اعتداء، ومن هنا شدّدنا مجدّداً في بيان الكتلة على ضرورة انتخاب رئيس بأقرب وقت ممكن».
وعما إذا كان الحوار مع «حزب الله» سيتطرق إلى هذه المسألة قال «اتفقنا قبل الحوار على مقاربة مسألة إنهاء الشغور الرئاسي، غير أن الجلسات التي عقدت لغاية الآن لم تبحث في هذا الموضوع»، مبدياً تشكيكه في أن يتوصل الحوار الجاري على الجانب الآخر بين عون وجعجع «في الوصول إلى نتيجة إيجابية في موضوع الرئاسة».
أما بالنسبة الى «القوات اللبنانية»، فقد اعتبر عضو كتلتها النيابية النائب انطوان زهرا أن مقولة «ما أحوجنا إلى رئيس هي الأفضل لوصف كل هذه المرحلة»، مشدّداً لـ «المستقبل» على أن «البلد يعيش حالة «فلتان الملق» بمعنى أنه لا يوجد مرجع لضبط حركة الأفراد أو المحافظة على أمنه واستقراره وبالحد الأدنى الادعاء أن البلد يطبق فعلياً سياسة النأي بالنفس عن الأحداث التي تدور في محيطنا».
وأكّد زهرا «عندما لا توجد مرجعية تؤكد سياسة النأي بالنفس، فإن على لبنان بأكمله أن يتحمل تبعات عدم الالتزام بهذه السياسة»، مشدّداً على ضرورة أن يكون هناك رئيس «يعيد إلى الدولة شرعيتها ومرجعيتها، خصوصاً وأنه الموقع الناظم لعمل المؤسسات والتي ظهر بشكل ثابت لا يقبل الجدل أو الشك أن كل مؤسسات الدولة مشلولة بغياب الرئيس».
وختم «لا نتمتع برفاهية القول أن البلد يسير بغياب الرئيس، ونأمل أن نتمكّن في القريب العاجل من الاتفاق مع التيار الوطني الحر ورئيسه الجنرال ميشال عون على ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للبنان لنخرج من عنق الزجاجة التي دخلنا فيها».
من جهة أخرى، شدّد عضو «اللقاء الديموقراطي» وزير الزراعة أكرم شهيب على أن «انتظام عمل المؤسسات في هذه المرحلة أكثر من ضروري، وللوصول إلى ذلك لا بد من انتخاب رئيس للجمهورية».
وقال شهيب لـ «المستقبل» إن «الدولة عمل متكامل وليس مجزّأ، وتكامل الدولة بمؤسساتها يبدأ من وجود رأس لها وهو رئيس الجمهورية»، مشيراً إلى أنه «إذا كان العدو الاسرائيلي يهدّد بمحاسبة لبنان والحكومة اللبنانية نتيجة ردّ حزب الله، فلماذا نقوم نحن اللبنانيين بمعاقبة أنفسنا بعدم انتخاب رئيس؟»، مؤكّداً «إذا كانت إسرائيل تريد تدميرنا، فنحن ندمّر أنفسنا بتعطيل المؤسسات بدءاً من عدم انتخاب رئيس للجمهورية».
لقد قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في إحدى عظاته أن «لبنان من دون رئيس للجمهورية هو جسم من دون رأس، ولا يستطيع الجسم أن يحيا من دون رأسه». لقد مرّ لبنان واللبنانيون بتجارب كثيرة، لكن التجربة الأخيرة تؤكّد أننا بحاجة ماسة الى رئيس للجمهورية يضبط إيقاع ونبض الجسم اللبناني.