Site icon IMLebanon

ما الحاجة إلى “شبّيحة” في سجن رومية؟

لم يذكّرنا “شريط رومية” بشيء مقدار ما ذكّرنا بأشرطة “شبيحة” النظام السوري، حتى لتكاد البذاءات اللفظية ذاتها تشي بأن الواقعة جرت هناك. لا أحد يظن بأن تحقيقات الأجهزة لانتزاع الاعترافات تتمّ في جلسات لطافة رومانسية، لكن ما شاهدناه ليس تحقيقاً، ولا علاقة له بالتحقيق في عمل جنائي أو ارهابي، بل كان حفلة تنكيل مجهولة الدوافع وأقرب الى تمرين على اجادة التعذيب والتمتّع به.

هناك أولاً الواقعة، ثم التصوير، والتداول، ثم التسريب وتوقيته، فالاستغلال السياسي والاستغلال المضاد. وقبل كل شيء هناك أوضاع السجون التي باتت مزدحمة بمعتقلين مرتبطين بجماعات التطرّف والارهاب. ثم هناك أيضاً أوضاع القضاء غير القادر على احتواء هذا النوع من القضايا وإعمال القانون فيها، لأن لها بُعداً سياسياً وطائفياً، ولأن هناك قضايا مشابهة بل مطابقة لها تجري لفلفتها لأن بعدها السياسي – الطائفي مختلف لكن مجرميها المعروفين يتمتّعون بحصانة “سلاح المقاومة”، الذي صار متخصصاً في الدفاع عن أنظمة الإجرام والاستبداد. أما الواقعة التي يقول المدّعي العام التمييزي إنها “فردية” و”غير ممنهجة” فلا يمكن أن تكون فردية طالما أن الموقوفين على ذمّتها ستة عناصر (مناصفة بين مسلمين ومسيحيين)، في حين أن تفاصيلها لا توحي بأن المرتكبين يرتكبون للمرّة الأولى بل إنهم “ممنهجون” جداً. وأياً كان الجهاز الذي أجاز لهم ما فعلوه فمن واجبه أن يتذكّر أن حتى في دول الغرب حيث التعذيب أقل/ أو أكثر مهنيّة، باتت السجون مصانع للتطرّف والمتطرفين، فكيف اذا كان الوضع العام مشحوناً كما هو حالياً في لبنان ومحيطه.

كاد الشريط أن يفجّر فتنة في البلد، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي أظهرته ردود الفعل، لأن كل شيء يفسّر طائفياً، ورغم أن هؤلاء السجناء مجرمون موصوفون بغضّ النظر عن انتمائهم الديني، إلا أن إظهارهم عراةً يتعرضون للضرب على هذا النحو يعيد انتاج الواقعة باعتبارهم “ضحايا” تعذيب “لأنهم سنّة مستضعفون”، واستطراداً لا بد أن يكون جلّادوهم عناصر من طائفة أخرى، فهل هذا ما أراده مَن صوّر وسرّب ونشر؟ أم أنه سعى الى إضعاف تيار “المستقبل” وإحداث مشكلة داخلية فيه، بل ادّعاء أن فيه جناحاً معتدلاً وآخر شعبوياً أقرب الى التطرّف؟

تصرّف رئيس الحكومة ووزيرا الداخلية والعدل وفقاً للتوقعات، فهل تحرّكوا في اطار احترام الدولة وإعمال القانون بحكم مسؤولياتهم أم لأنهم “سنّة”؟! الجواب متروك للذين تلقفوا الحدث كمستفيدين منه، فإذا القصة عندهم بكل دواخلها، كما لو أنهم صانعوها الأصليون، سواء لدعم وزير ضد آخر أو للاشارة الى ظهور أعلام “جبهة النصرة” هنا وهناك، أي أن المستفيدين من الفضيحة منزعجون من اعتدال “المستقبل” وتطرف “النصرة” في آن، وحتى من وجود الدولة، ولا حلّ لمشكلتهم.