طال صمت رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون على غير عادته. هو صمتٌ مدروس نتيجة استنتاج الجنرال أنّه إذا «كان كلامه في الماضي من فضّة فسكوته اليوم من ذهب». لكن التصاريح الأخيرة لقياديي «التيّار» تشير الى أن الجنرال سيتكلّم قريباً! فهل يقلب عون الطاولة في 14 آذار.
أما المفارقة، أنّها المرّة الأولى التي يتسلّح فيها الجنرال بالصّمت، وهو الذي اعتادَ المواجهة السريعة عند أيّ مفترق سياسي لافت، أو في سبيل الردّ أو الهجوم، أو التعليق على أيّ حدث مهمّ، فكيف بالحريّ إذا كان الحدث بأهمّية المصالحة بينه وبين رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، لكنّه ما زال صامتاً. فلماذا؟
يقول المتابعون إنّ صمت عون اليوم يُشكّل ضرورةً وطنية، إذ إنّ أيّ خطوة خاطئة منه تُحمّله في هذه المرحلة الدقيقة خسارةً كبيرة، بالإضافة إلى أنّ أيّ تصريح متسرّع أو في غير وقته سيُكبّد حليفَه الجديد الدكتور سمير جعجع خسارةً أخرى هو أيضاً. أمّا إذا استطاع عون تجاوزَ المرحلة بالحفاظ على هدوئه فسيحافظ على حظوظه الرئاسية.
فيما تقول المصادر إنّ العمل جارٍ بين الحليفين المسيحيَين حاليّاً لتقطيع المرحلة، لأنّها ستكون خسارةً مزدوجة على الثنائي المسيحي اللذين سيتحمّلان معاً تبعاتها، ولذلك يجب تقطيعها بأدنى كلفة ممكنة.
فإذا واجَه عون السعودية اليوم تحت أيّ عنوان فهو لن يُحقّق خطوةً أمامية في سبيل بلوغه الرئاسة، خصوصاً بعدما أكّد السيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير أنّه لا يريد شيئاً من حلفائه، وهو يتكفّل لوحده بالمواجهة، ولذلك فلا مصلحة لعون بالكلام اليوم.
في المقابل، هناك من يقول إنّ هذا التصعيد سيُنتج حتماً رئيساً للجمهورية، خصوصاً أنّ «حزب الله» في ظلّ الموقف السعودي باتت لديه مصلحة حيوية في أن يأتي برئيس للجمهورية وأن يأتي بسعد الحريري رئيساً للحكومة.
أمّا إذا واكبَ الحريري مواقفَ السعودية فسينهار الستاتيكو الذي كان الحزب يُراهن عليه، لذلك وتلافياً لانهيار هذا الستاتيكو سيذهب في اتّجاه تعزيزه، وترى المصادر أن لا أحد يَعلم متى ينفتح الحريري مجدّداً على عون.
الحريري ينفتح على عون
وفي السياق، تؤكّد مصادر قريبة من الطرفين حصولَ نقاش جدّي أخيراً داخل الدائرة الضيّقة الخاصة بالحريري لجهة إمكانية العودة إلى خيار عون، لكنّ الحريري يفضّل عدم تعويم هذا الخيار إعلامياً حتى لا يصدمَ جمهورَه مجدّداً، إذ لا مصلحة لديه في الانتقال خلال فترة زمنية قصيرة من ترشيح النائب سليمان فرنجية إلى ترشيح عون، لكنّه سيعود لهذا الخيار عندما يتأكّد أنّ السعودية وافقَت عليه.
أمّا في المرحلة الحاليّة، فسيستمرّ الحريري في إعلان تأييد فرنجية حتى النهاية، إلى اللحظة التي يستطيع فيها فتحَ باب الرئاسة أمام السعودية، ولأنه يعلم أيضاً صعوبة التطرّق إلى أيّ تسوية رئاسية مع السعوديين في المرحلة الحاليّة، والذين يطالبونه اليوم أكثر بفكّ المساكنة بينه وبين حزب الله في الحكومة والحوار، وهم بالتالي لن يقبلوا بحكومة تجَدّد المساكنة مع الحزب.
أمّا السؤال الذي يُطرَح فهو: هل السعودية اليوم في وارد البحث عن تسوية رئاسية في لبنان مع الحزب؟ فهي إذا كانت فعلاً كما يقال استغنَت عن لبنان، فهذا يدلّ على أن لا رئاسة على المدى المنظور، وأنّها ستبقى معلّقة إلى اللحظة التي ستعيد فيها السعودية اهتمامها بالملف اللبناني.
من جهتها، تَعتبر أجواء الحريري أنّ هذه الأزمة هي موجة صيف عابرة، وهي تعالَج اليوم أميركياً وفرنسياً، وأنّ السعودية ستعود قريباً إلى قواعد الاشتباك السابقة وسيتظهّر مجدّداً الملف الرئاسي.
وفي العودة إلى صمت عون، فالواضح أنّه فطنَ أنّ مِن مصلحته التريّث حتى تمرير المرحلة والحفاظ على علاقته الثابتة مع حزب الله ومهادنته السعودية.
علماً أنّ تَشابكَ الأحداث السعودية وتسارعَها منعَ عون من استيضاح الحزب بشكل علني وواضح عن سبب عدم دعمِه للوصول إلى الرئاسة بعد مصالحته مع جعجع وتأمينه الأغلبية المسيحية، ومنَعته أيضاً من الاستفسار مباشرةً من الحزب عن السبب الذي يمنعه من الطلب الى فرنجية بالانسحاب لصالح حليفِه ومرشّحه الأوحد والثابت ميشال عون، لكن تمنّي عون على نصرالله أن يطلب من فرنجية الانسحاب من اللعبة الرئاسية لن يفيده اليوم، لأنّ السعودية لا تريد أيّاً منهما أو غيرهما، لأنّها حاليّاً تُغيّب لبنان عن أولوياتها.
وفي سياق آخر، عون مقتنع في قرارةِ نفسِه بأنّ الحزب أنصَفه حين تمسّكَ به علناً وأزالَ شرط السلّة المتكاملة من أمامه، ويستطيع بالتالي الإتيان بسعد الحريري حين يريد، إذ لم يعد هناك مِن قانون انتخابي في وجهه، ولذلك لا مصلحة لديه اليوم بإزعاج الحزب وهو في مرحلة مواجهة مع الدول العربية ، أو مهاجمة الحريري، بل إنّ الصمت شيعيّاً وسنّياً هو الأنسب له.
الجنرال… يقتنع
لا أحد يعلم إلى أين يمكن أن تصل السعودية في تصعيدها، إنّما ترى المصادر أن لا خيار آخر أمامها سوى البقاء مع لبنان، وأن لا خيار لعون في المرحلة الحاليّة سوى الصمت، بالإشارة إلى أنّها المرّة الأولى التي يتصرّف فيها بهدوء، بعيداً عن الانفعال السياسي، من دون أن يصطدم بالسعودية أو المستقبل أو حزب الله، لأنّ أيّ دعسةٍ ناقصة قد يَخطوها سيَدفع ثمنهاً غالياً ويَدفع معه جعجع الثمن أيضاً، مِن هنا نراه ميّالاً إلى الصمت، وقد اقتنعَ اليوم بأنّ سكوته فِعلاً من ذهب. الاّ ان المقرّبون من التيّار البرتقالي يؤكدون ان الجنرال سيتكلّم قريباً، وإن 14 آذار على الأبواب فهل يتكلّم الجنرال ويكون كلامه من ذهب …كصمته.