عن سؤال: “لماذا الاتفاق مع إيران؟ وماذا يمكن أن يكون فكَّر أوباما عندما اندفع نحو تحقيقه” الذي طرحه المسؤول السابق نفسه الذي رافق عملية السلام والشرق الأوسط عموماً من موقعه الرسمي ولا يزال يرافقهما من موقعه باحثاً جدِّياً. أجبتُ: إيران دولة جدِّية. هي قلعة شيعية محضة وسط عالم سنّي يتجه منذ مدة نحو التطرُّف. وهي تحاول أن تحمي نفسها وحدها. وذلك صعب عليها ولا سيما أنها تخوض حرباً ضده بالوكالة معظم الأحيان لتنفيذ مشروعها الاقليمي الذي هو على حسابه. في حرب كهذه هي تحتاج إلى حليف واميركا هي القوة العظمى في عالم اليوم. كلنا نعرف أو يجب أن نعرف أن ذلك لا يعني أنها وأميركا حلفاء ضد العالم السنّي الذي يقارب عدده مليار ومئتي مليون نسمة أي 85 في المئة من مسلمي العالم. فأميركا لا تقبل بذلك ولا تستطيع تحمُّل تبعاته، ولا مصلحة لها في أن تضع هذا العدد الضخم في ظهرها كما نقول نحن. أميركا وإيران ومعهما السعودية وتركيا وأنظمة عربية وإسلامية أخرى معتدلة لها مصلحة مشتركة في محاربة “الإرهاب الإسلامي السنّي”، علماً أن مشاعر شعوب غالبية هذه الدول قد تكون مختلفة. ولا ينبغي في هذه المرحلة الغرق في الجدل حول من خلق “داعش” وإخوانه، وهل له أب واحد أو مجموعة آباء. سأل: “لماذا تركيا”؟ أجبتُ: لأنها دولة قوية. عندها مشكلات جدية لكن حلها ليس مستحيلاً إذا خفّف رئيسها أردوغان غروره وشعبويته وإسلاميته المتنامية وطموحاته المستحيلة. وهي عضو في حلف شمال الأطلسي وحليفة لأميركا. ولأنها (أي تركيا) دولة مسلمة سنّية تستطيع في رأيه طمأنة المسلمين السنّة في المنطقة الخائفين من سيطرة إيران الفارسية والشيعية ومن مشروعها للسيطرة على المنطقة بمساعدة حلفاء لها فيها. طبعاً ليست السعودية بقوة إيران. وأنا هنا لا أتحدث عن الحماية الأميركية لها، وعن اعتبار أميركا إياها خطاً أحمر ممنوع اجتيازه وذلك يجعلها دولة قوية جداً. هي ليست بقوة تركيا. لكنها ضرورة كونها دولة الحرمين الشريفين، وستصبح قوية عربياً إذا انضمت إليها مصر بعد حلّها مشكلاتها الاقتصادية، إذا نجحت في ذلك. تابعتُ: إذا تمّ الاتفاق النووي مع أميركا في إطار المجموعة الدولية 5+1 فان نتائجه لن تكون دراماتيكية في رأيي أو فورية مثل إنهاء الحروب المشتعلة في أكثر من دولة شرق أوسطية والثورات الناشبة أو في منع امتداد الاثنتين إلى دول أخرى لا يزال السلم فيها صامداً. ذلك أن النظام الاقليمي القديم انهار، ولم يحلّ آخر جديد مكانه. والظروف تغيّرت على رغم تخيّلات الكثيرين وأحلامهم. الربيع العربي كان عفوياً. تدخّلت الدول الكبرى لمعرفة أبعاده وخلفياته ولمحاولة تلافي أخطاره عليها إذا وجدت وذلك بتحويل مساره من دون توقيفه. والنظام الجديد لا يرسمه وزراء خارجية “كبار” في مكتب مبرّد أو مدفّأ بل الدم. وهذا أمر يلزم وقت طويل لتحقيقه. ربما يؤدي الاتفاق الأميركي (الدولي) – الإيراني إلى بداية كلام بين طهران والرياض من نتائجه سدّ الشغور في رئاسة جمهورية لبنان. (كان هذا الكلام قبل “عاصفة الحزم” التي أنهت البداية المشار إليها). ولن يحل ذلك، إذا حصل، أزمة لبنان لكنه ربما يساعده في تلافي الانزلاق إلى حرب أهلية لا يريدها “حزب الله” وجمهوره، ولا يريدها “المستقبل” وجمهوره المعتدل، ويحاول استدراجه إليها الإسلاميون المتطرفون وربما نظام الأسد كما يُرجِّح كثيرون.
تساءل المسؤول الأميركي السابق نفسه والباحث الحالي “إذا كان لبنان سيبقى على حاله الراهنة من الاستقرار الهشّ على رغم الحروب في جواره”، بعدما تعجَّب “من عدم انزلاق أطراف شعبه إلى التقاتل العسكري من جديد وخصوصاً أنهم لا يزالون في حرب سياسية”. أجبتُ: الاستقرار الحالي هشّ. لكن الاستقرار الثابت والقوي والدائم مستحيل. يجب المحافظة على الأول تلافياً للأسوأ. هذا ما تقوله الدول الكبرى للبنانيين وفي مقدمها أميركا على رغم معرفتها بانقساماتهم العميقة الطائفية والمذهبية والسياسية وبعلاقاتهم الاقليمية وحتى بارتهاناتهم الخارجية. والدافع إلى هذا القول هو أن تجاهلهم إياه وانخراطهم في الحرب لن يدفع أحداً من الكبار في العالم إلى “لمِّهم”. وسينتظرون سنوات وسنوات الحلول إذا أتت. فأيهما أفضل الانتظار وسط الدم والدمار والحرب أو وسط الاستقرار الهش والخروقات الدائمة له؟ سأل مجدداً: “ما هو النظام الدولي الجديد؟ أنا لا أعرف ماهيته، ولا أعتقد أن أحداً يعرف”. بماذا أجبتُ؟