روسيا تكرّس بالاقتراع قيصرية فلاديمير بوتين: ولاية رئاسية رابعة لست سنوات تكمل ربع قرن من التجديد لرجل واحد على قمة السلطة. ورهانات مدعومة بالوقائع على إكمال المهمة التي يتولاها بوتين وهي استعادة روسيا لموقع القوة العظمى على قمة العالم ودور الشريك لأميركا في ادارة النظام العالمي والأمن الاقليمي. أقوى ورقة لعبها بوتين هي ورقة الوطنية الروسية التي تعرّضت لاستخفاف الغرب الأميركي والأوروبي بها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والحاجة الى الاستثمارات. وأبسط فكرة خدمت سياساته في عصر ما بعد الايديولوجيات هي، في رأي الخبير الروسي نيكيتا بتروف، استعماله ايديولوجيا ستالين: ايديولوجيا الدولة.
وكل هذا يبقى مجرد مواد أولية من دون قدرة على بناء القوة ومهارة في توظيف القوة. وبوتين أثبت قدرته على التصميم والصبر حيال بناء القوة، ومهارته في توظيف القوة حيث نقاط الضعف لدى خصومه، وجرأته في المغامرة مع الحذر. إذ هو أخذ بالمعادلة التي وضعها فلاديمير لينين: إضرب الجدار بنعومة، فان كان صلبا تراجع، وان كان ليّنا إضرب بقوة.
هذا ما فعله في جورجيا وأوكرانيا وسوريا. ولم يتراجع أمام العقوبات التي فرضها الغرب. لا بل حقق حلم بطرس الأكبر الذي لم يحققه ستالين، وهو الوصول الى المياه الدافئة على البحر المتوسط، حيث حصل على قاعدتين: بحرية وجوية في سوريا. وكان حظه كبيرا بالضعف الأوروبي والمراوحة الأميركية بين الحماقة والتعقل والغباء. الحماقة في غزو افغانستان والعراق أيام الرئيس جورج بوش الابن. والتعقل في الانكفاء الأميركي عن الشرق الأوسط وممارسة القيادة من الوراء أيام الرئيس باراك أوباما. والغباء أيام الرئيس دونالد ترامب الراغب في أفضل العلاقات مع بوتين والمجبر بقوة الاستبلشمنت على الذهاب الى أدنى مستوى من العلاقات مع موسكو.
لكن الألعاب الجيوسياسية التي سجّل بوتين مهارة ونجاحا فيها ليست التحدّي الوحيد أمامه. فالوضع الاقتصادي في روسيا صعب حتى من دون الانخفاض الكبير في أسعار النفط والغاز. والحاجة الى تحسين الظروف المعيشية واسعة ومتعددة المجالات. والأرباح التي تحققها موسكو بالقوة تبقى نسبية من دون تحقيق الشراكة مع واشنطن. فالنجاح الذي حققته روسيا في سوريا مهمّ جدا. لكن ترجمته حتى في مستقبل سوريا تحتاج الى تسوية سياسية لا تزال بلا أفق والى مشاركة الغرب والعرب في اعادة الاعمار. فضلا عن ان ترجمته الى دور روسي أوسع في النظام الأمني الاقليمي لم تكتمل بعد.
ولا شيء يوازي حاجة روسيا الى استعادة دورها سوى حاجتنا الى دور روسي يكرّس تعددية الأدوار محل الاحادية الأميركية.