Site icon IMLebanon

ما الذي منع الرئيس عون من زيارة سوريا؟ 

 

 

لطالما كانت طبيعة العلاقة بين الرئيس ميشال عون وسوريا حدث بحد ذاته، بتطرّفها ووصولها الى حد العداء سابقاً ، وباعتدالها القائم على التفاهم والتفهم والإحترام حالياً…

 

فالجنرال عون منذ البدايات كان صاحب عبارة “نحن نريد أن ننسج أفضل العلاقات مع سوريا لكن شرط أن تبقى سوريا في سوريا ولبنان في لبنان”، بحيث كانت مشكلته مع الوجود السوري في لبنان، فكانت حرب التحرير كما يسميها التيار الوطني الحر عام ١٩٨٩ ، والتي حصلت خلالها المواجهة العسكرية المباشرة بين الجنرال ميشال عون مع الجيش السوري في لبنان، وانتهت الى نفي عون الى فرنسا ١٥ عاماً.

 

عام ٢٠٠٥ ، وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعه من تطورات وتغيّرات أدت الى الخروج السوري من لبنان، عاد الجنرال ميشال عون الى البلد ليُنادي بأفضل العلاقات مع سوريا بعدما أصبحت مقولته واقعاً، وبات بالإمكان إقامة علاقات متبادلة قائمة على الندية، وفق رؤيته.

 

بدأ التواصل بين الجنرال عون والقيادة السورية الى أن تُوِّج بزيارة له الى دمشق عام ٢٠٠٩ قبل الانتخابات النيابية، خطوة قام بها عون رغم النصائح التي وُجِّهت له بتأجيلها الى ما بعد الانتخابات، بحيث من الممكن أن تنعكس سلباً عليه شعبياً، إلا أنه أصرّ على الذهاب بهذا التوقيت، فكان استقباله إستثنائياً من الرئيس بشار الأسد الذي خرق فيه البروتوكول، بحيث لاقاه خارج قصر المهاجرين. مشهد كان كفيلا بأن يَطوي صفحة الماضي ويفتح صفحة جديدة من العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل، فبعد التاريخ الدموي بين الطرفين لم يجد الجنرال عون في الوقت الحاضر من القيادة السورية سوى الإحترام، بحيث قال عنه الرئيس الأسد إنه “الرجل الذي يُقاتل بشرف ويُصالح بشرف”.

 

زيارة علنية لحقتها زيارات متتالية ودورية غير معلَنة لموفدين من الجنرال عون الى الشام، لقاءات لم توقفها الحرب الكونية على سوريا، كما يُسميها عون منذ بدايتها، فتواصل مع الأسد كداعم له، وفي عام ٢٠١٥ أرسل وفد رسمي غير علني من التيار الوطني الحر الى الشام، وبقيت العلاقة مستمرة بهذا الشكل الى أن أصبح الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، فمن يسمع هذا السرد يَتوقع أن تكون كل هذه الخطوات مُقدِمة لإعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين في عهده، لكن هذا لم يحصل، وبات السؤال الطبيعي لماذا لم يزر الرئيس عون سوريا طيلة فترة عهده؟ وما الذي منعه؟

 

من الواضح أن سبب عدم الذهاب يعود الى حسابات داخلية وخارجية أثّرت على القرارات السياسية، خاصة وأن زيارة سوريا كان لها ما لها وعليها ما عليها، في توقيت كان يتم فيه الفرز الدولي والإقليمي بحسب الموقف من سوريا، لذا كانت الخطوة تتطلب حسابات دقيقة خاصة بعد “قانون قيصر”.

 

فالوضع الداخلي والانقسام وحدّة الخطاب السياسي هو وضع لبنان الطبيعي، والخطوة باتجاه سوريا كانت تحتاج لقرار جريء، لذا كان هناك تعويل على جرأة الرئيس عون خاصة بعد أن شمل الحصار الأميركي لبنان بعد حراك ١٧ تشرين الأول عام ٢٠١٩ ، وحصل ما حصل في لبنان من محاولات لإسقاط العهد. وخَرَج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله آنذاك بعبارته الشهيرة “العهد ما فيكن تسقطوا” . فكان يُنتظر اتخاذ قرارات إنقاذية تُوسِّع خيارات البلد لمنع انهياره.

 

لكن الزيارة إن حصلت كان من المفترض أن يكون أول عناوينها النزوح السوري الذي بات يُشكِّل خطراً وجودياً على اللبنانيين، وبما أن هناك قراراً دولياً بمنع عودة النازحين الى سوريا، وبالتالي لن يستطيع الرئيس عون فعل شيء بهذا الملف، ما يعني أن الزيارة مصيرها “الفشل”.. لربما شملت حسابات الرئيس عون هذه المسألة ،فكانت أحد أهم أسباب عدم اتخاذ هذه الخطوة. عدا عن أن كل رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا في عهده كانوا يرفضون زيارة سوريا.

 

إذاً.. انتهى عهد الرئيس ميشال عون دون زيارة سوريا رسمياً، لكن باتت العلاقة بين التيار والقيادة السورية بتقدير الجنرال استراتيجية، وتتقدّم على علاقة سوريا بأفرقاء سياسيين يعتبرون أنفسهم حلفاء وأصدقاء لها، وبتقدير القيادة السورية توازي العلاقة بدول محورية. من هنا تحوّل السؤال من الرئيس عون بعد انتهاء عهده الى باسيل كرئيس للتيار، الذي تتقدّم علاقته المباشرة مع الشام كما تتقدّم مواقفه العلنية تجاهها. وبعد كل هذه الخطوات، هل سيزور باسيل الشام قريباً؟ أم ستحكمه نفس أسباب الرئيس عون، يُضاف عليها حساباته الشخصية التي لها علاقة بالعقوبات الأميركية عليه؟