على الرغم من المساعي الروسية لإعادة إطلاق التفاوض السوري – السوري في جنيف، تُبدي مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع، قلقها من بقاء الوضع السوري على ما هو عليه من دون حل للنزاع لمدة طويلة، إذ أن النظام لا ينوي إيجاد حل للأزمة، لكن الأنظار تتجه إلى الموقف الروسي. فإذا كانت روسيا فعلاً تريد إنهاء الأزمة والتوصل إلى حل سياسي فستضغط على النظام للسير في هذا التوجه.
وتفيد المصادر، بأن أي حل في سوريا لن يتم إلا بموافقة أميركية، لكن الولايات المتحدة لم تضع بعد سياستها وخطتها للتعامل مع الأزمة السورية بصورة متكاملة وهي تخضع لتأجيل متكرر. ولا بد أن تنسجم أي سياسة تضعها في هذا الإطار، مع سياستها حول إيران والتي باتت معروفة. والولايات المتحدة سوف تتبع الحوار مع روسيا بالنسبة إلى الملف السوري، مع أنها فرضت عقوبات عليها بالنسبة إلى ملف أوكرانيا.
ولكن، بحسب مصادر ديبلوماسية في موسكو، فإن عمليات القصف والقتال في سوريا ستتوقف بعد نحو ٧ أو ٨ أشهر.
وتشير مصادر ديبلوماسية أخرى، إلى أن عوامل عديدة كانت وراء استمرارية النظام وترنّح انجازات المعارضة وهي: التدخل العسكري الروسي، الجوي تحديداً، الذي قلب المعادلات على الارض وأدى إلى إعادة تعويم النظام لبقائه أطول وقت ممكن. والآن، إذا انسحب الروس من سوريا فستعود المعارضة لتحقيق النصر ويتغيّر الوضع. كل ذلك يتوقف على التوجه الروسي، وكذلك على التوجه الأميركي في ما بعد. كل القوى الموجودة على الأرض في سوريا لم تكن قادرة على مواجهة الروس، وحدهم الأميركيون يستطيعون مواجهتهم. إنما لن يواجهوا الروس من أجل سوريا، الأمر الذي أدى إلى عدم توازن القوى على الأرض. والعرب دعموا المعارضة، ولكن لم تسمح لهم الولايات المتحدة بأن يدعموها مثلما يجب، ولم يسمحوا لهم بمساعدتها وتسليحها بأسلحة نوعية.
ومن أسباب تراجع المعارضة أيضاً، أن أولويات الدول التي تدعمها قد تغيرت أخيراً. فمشكلة اليمن مثلاً باتت أولوية خليجية، وموضوع الأكراد بات أولوية تركية. أما الآن فهناك جهود خليجية لتوحيد المعارضة لتذهب إلى طاولة التفاوض بموقف موحد. ولكن هل سيكون التفاوض جدياً، وهل الروس جديون في إرادة انتقال السلطة؟
ولأن المعارضة لم تحقق انتصاراً، ولا يوجد طرف مستعد للنزول معها في معركتها، فإن الورقة الوحيدة للتوصل إلى حل سياسي هي الضغط الغربي في موضوع إعادة إعمار سوريا، ومساهمته في ذلك إذا تم التوصل في مفاوضات جنيف إلى حل سياسي حقيقي وانتقال فعلي للسلطة. إذا أن الغرب غير متأكد من أن الإمور في سوريا ستذهب في اتجاه حل سياسي، وهم يعتقدون أن الروس يسيرون في مسار آخر مقتنعين به، فمدّدوا مباحثات آستانة، ويريدون تفعيل اللجان الشعبية، لكي تكون أساساً للحل. وكأنهم يطرحون عملية سياسية تناسبهم. ولأن آستانة ستنعقد نهاية هذا الشهر، تم تأجيل مفاوضات جنيف. وإذا سار الروس بعملية سياسية تناسبهم، فعندها ليس هناك من مصلحة للغرب بالدخول معهم في عملية إعادة الإعمار، لأن الضغط الغربي في هذا المجال سيكون لكي تحرز المعارضة تقدماً في التفاوض، وثانياً في المشاركة في الحكم من خلال الإنتقال السياسي.
ويشار هنا إلى أن واشنطن لم تدعم المعارضة لكي تنتصر، انما لكي تحقق توازناً مع النظام، عادت وافتقدته بعد الدخول الروسي إلى سوريا.
ولا يظهر حتى الآن وجود عملية إعادة اعمار حقيقية، إلا عندما يضمن الروس لهم عملية سياسية متوازنة.
كل الدول اليوم باتت تقبل بأن يبقى رئيس النظام في السلطة في المرحلة الإنتقالية. وهناك جهود خليجية لتوحيد المعارضة في موقف موحد في التفاوض. والأنظار تتجه إلى تفاصيل التعديلات الدستورية وصلاحيات الرئيس وتوزيع الحقائب في الحكومة. إذ لا يكفي القول أن رئيس النظام بقي أم لا، بل إلى أي مدى يتمتع بصلاحيات. وأكثر ما يقلق الغرب، هو إبقاء وضع سوريا على ما هو عليه لسنوات وعدم توصل العملية السياسية إلى شيء. وهناك خوف من عدم قبول النظام بالتنازل والدخول في مرحلة انتقالية، في الوقت الذي يعتبر نفسه رابحاً. وقرار توصل العملية السياسية إلى حل ينهي الأزمة هو في يد موسكو.
ومن أسباب ترنّح المعارضة أنها لم تثبت أنها موحدة بالشكل الكافي حول مشروع سياسي واضح. ثم أن الدول الغربية كانت تتخوف من أن تقع الأموال والأسلحة بيد الإسلاميين و»الجهاديين»، كما أن الأوروبيين لحقوا بالأميركيين الذين دعموا المعارضة لكي لا تنهزم من أجل التوصل إلى حل سياسي يجمعها مع النظام وليس لكي تتسلّم السلطة، إلا أن الدخول العسكري الروسي على الخط «خربط» كل الخطط.