حقيقة ما نقله اللهيان لنصر الله واستوجب طرح التسوية الشاملة لحل الأزمة السياسية
مؤتمر «فيينا» جدّي لحل الأزمة السورية وقلق إيراني من التفرُّد الروسي والقبول بالتخلِّي عن الأسد
«من الأسباب الإضافية لطرح نصر الله إجراء التسوية بالداخل هو إستمرار النزف المتواصل لحزب الله جرّاء مشاركته المتواصلة بالصراع العسكري السوري»
ماذا تغيّر حتى يُبادر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لطرح إجراء «تسوية سياسية شاملة وحقيقية على مستوى الوطن» في هذا الظرف بالذات، في حين أنه تجاهل وعارض أكثر من مبادرة وفكرة طرحها خصومه السياسيون وفي مقدمتهم زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري طوال السنوات الماضية لإخراج لبنان من مأزقه السياسي المعقّد؟.
يُلاحظ سياسي بارز أن طرح نصر الله لإجراء التسوية الشاملة حالياً لم يأتِ هكذا من هباء أو بالصدفة، بل على عكس ذلك تماماً، إنما استند إلى جملة تطورات ومعطيات ووقائع سياسية وعسكرية وديبلوماسية على الساحة السورية وفي الخارج إستوجبت هذا التطور في موقف الحزب الذي كان حتى الأمس القريب يراهن على توظيف التبدلات العسكرية أو ما أطلق عليه في بعض الأحيان تعبير «الحسم العسكري» في الداخل السوري لتوظيفه لصالح فرض التسوية بالقوة أو بالترهيب الذي تعوّد عليه الحزب منذ خروج الجيش السوري من لبنان في ربيع العام 2005 وأخيراً محاولة توظيف التدخل العسكري الروسي ضد المعارضة السورية لإيصال مرشّح الحزب لرئاسة الجمهورية خلافاً لموازين القوى السياسية القائمة وهو ما عبّر عنه الأمين العام للحزب علناً في أعقاب بدء العمليات العسكرية الروسية وقوله لمعارضيه بتبجح يومذاك «وضعنا بالداخل سيتحسّن كثيراً».
في العام الماضي، حضر الرئيس سعد الحريري إلى لبنان وبادر على الفور بإجراء سلسلة إتصالات واسعة مع القيادات السياسية والزعامات طارحاً أفكاراً جديدة وبدائل عدّة لانتخاب رئيس جمهورية توافقي، يُرضي جميع الأطراف من دون استثناء بعيداً عن الاصطفافات والانحياز لمرشح قوى 14 آذار الدكتور سمير جعجع أو مرشّح «حزب الله» النائب ميشال عون، وفي خلاصة المشاورات والاتصالات، بقي الجدار مسدوداً والأزمة تدور في حلقة مفرغة بفعل الرفض القاطع من الحزب لأي من الأفكار المطروحة واستمرار تمسكه بعون مرشحاً للحزب من دون غيره.
قبلها وفي نهاية كانون الثاني عام 2013 طرح الحريري مبادرة من أربع نقاط تضمنت أفكاراً جديدة وتستحق الدرس وتؤكد على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها على أساس الدوائر الصغرى التي تضمن صحة التمثيل لكل الطوائف والمجموعات وإنشاء مجلس شيوخ واعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة وتأمين الضمانة الدستورية لإعلان بعبدا والاحتكام للدستور في حل الخلافات السياسية وكان مصيرها التجاهل المطلق أيضاً.
وفي اعتقاد السياسي البارز فإن المستجدات التي استند إليها الأمين العام للحزب هذه المرة نقلها إليه مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين عبد الأمير اللهيان الذي أتى خصيصاً لهذه المهمة موفداً من القيادة الإيرانية بعد زيارته لكل من موسكو وسلطنة عُمان بالرغم من لقاءاته البروتوكولية لبعض الشخصيات والمسؤولين على هامشها، وتضمنت إنزعاجاً إيرانياً واضحاً وقلقاً من استئثار روسيا بالدور الأساس في التحركات الجارية لحل الأزمة السورية إنطلاقاً من دورها في التدخل العسكري الميداني، لافتاً إلى أن موسكو بدأت تتقبّل فعلياً فكرة التخلي عن الرئيس السوري بشار الأسد من أي صيغة تطرح لحل الأزمة بضغط قوي ومباشر من الولايات المتحدة والسعودية وتركيا بالرغم من عدم كشفها عن هذا الموقف علانية، الأمر الذي يسبب انزعاجاً قوياً لدى إيران التي ما تزال تصرّ على دعم الرئيس الأسد وضرورة إشراكه في كل الصيغ المطروحة للحل من قبل مؤتمر «فيينا»، في حين يُؤكّد الروس أن دعم الدول الثلاث المذكورة والأخذ بموقفها الرافض لوجود الأسد واستمراره بالسلطة ضروري ومهم لاستكمال كل مراحل حل الأزمة السورية.
والأهم في المعلومات التي نقلها اللهيان لنصر الله أن هناك جدّية كبيرة لدى الدول المشاركة بمؤتمر «فيينا» لحل الأزمة السورية ومن الضروري التعامل مع هذا التطور باهتمام واتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير إستباقية لتفادي إنعكاساته وأضراره، خصوصاً بعد التعثّر العسكري للنظام السوري والقوى الداعمة له كحزب الله والحرس الثوري في مواجهة فصائل المعارضة العسكرية السورية المدعومة من حلفائها في واشنطن والرياض وأنقرة بالرغم من الضربات العسكرية الجوية الروسية المتواصلة منذ قرابة الستة أسابيع.
ويُشير السياسي البارز إلى أن ما نقله اللهيان لنصر الله من معطيات ووقائع تجري في الحركة الديبلوماسية المتواصلة بقيادة روسيا، أعطى انطباعاً واضحاً باستياء ضمني لدى إيران من التفرّد الروسي بالتعاطي مع الدول المعنية بحل الأزمة السورية، إلا أنه لا يؤشر لوجود أي توجه لدى طهران لمقاطعة التحركات الروسية بهذا الخصوص، أو لتأزيم العلاقات بين البلدين في هذه المرحلة، وإنما تمّ إطلاع المسؤولين الروس على كل الهواجس التي تعتري القيادة الإيرانية جرّاء المنحى الذي تسلكه الدول المشاركة بمؤتمر «فيينا» وخصوصاً في مسألة حسّاسة تتعلق بمستقبل الرئيس الأسد ومصير النظام السوري كلّه والتشديد على ضرورة أن يؤخذ بالملاحظات والمطالب الإيرانية المطروحة لتوفير الوسائل المطلوبة لتسهيل حل الأزمة السورية.
ومن وجهة نظر السياسي البارز فإن من الأسباب الإضافية لطرح نصر الله إجراء التسوية بالداخل هو استمرار النزف المتواصل لحزب الله جرّاء مشاركته المتواصلة بالصراع العسكري السوري للدفاع عن نظام الأسد وهو استنزاف يرتب أعباء كبيرة وأصبح من دون جدوى بعد أن أصبح مستقبل النظام برمته في مهب ما تقرره الدول الكبرى والمؤثرة في مصير التسوية المرتقبة في حال استكملت حتى النهاية بعدما أظهرت كل المؤشرات إستحالة بقائه بالسلطة مستقبلاً. وهناك أيضاً الرفض المطلق للقوى السياسية المعارضة للحزب للإنصياع لكل الضغوطات التي مارسها لتعطيل الحركة السياسية وشلّ عمل المؤسسات الدستورية لإرغامها على انتخاب رئيس للجمهورية يوالي الحزب وينصاع لتوجهاته وخططه منذ إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في نهاية ربيع 2014.
والسؤال المطروح هل يسلك مشروع التسوية الذي طرحه نصر الله طريق التنفيذ الفعلي؟
يُجيب السياسي البارز بالقول أنه بالرغم من ردود الفعل الأولية المشجعة وبوادرها الإيجابية، إلا أنه من المبكر جداً إعطاء تكهنات بإمكانية نجاح أو فشل تسويق الطرح المذكور، لأنه يحتاج إلى إعادة الثقة المفقودة بين الحزب وخصومه السياسيين أولاً، وثانياً لا بدّ من إنتظار بعض الوقت لترقب كيفية ترجمة مفاعيل اجتماعات مؤتمر «فيينا» على الأرض ومسار التسوية السورية ككل.